بِتَصَانِيفِهِ، وَهُوَ أَجَلُّ مِن أَنْ يُقَالَ لَهُ: ثِقَةٌ؛ فَإِنَّ دَرَجَتَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكِتَابَهُ "كِتَابُ الْحِلْيَةِ" مِن أَجْوَدِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي أَخْبَارِ الزُّهَّادِ، وَالْمَنْقُولُ فِيهِ أَصَحُّ مِن الْمَنْقُولِ فِي رِسَالَةِ القشيري وَمُصَنَّفَاتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي شَيْخِهِ وَمَنَاقِبِ الْأَبْرَارِ لِابْنِ خَمِيسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرُ حَدِيثًا وَأَثْبَتُ رِوَايَة وَنَقْلًا مِن هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ كِتَابُ الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَد وَالزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَمْثَالِهِمَا أَصَحُّ نَقْلًا مِن الْحِلْيَةِ.
وَهَذِهِ الْكُتُبُ وَغَيْرُهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِن أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ وَحِكَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ بَل بَاطِلَةٍ، وَفِي الْحِلْيَةِ مِن ذَلِكَ قطعٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي غَيْرِهَا مِن هَذِهِ الْكُتُبِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهَا؛ فَإِنَّ فِي مُصَنَّفَاتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَرِسَالَةِ القشيري وَمَنَاقِبِ الْأَبْرَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْحِكَايَاتِ الْبَاطِلَةِ؛ بَل وَمِن الْأَحَادِيثِ الْبَاطِلَةِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي مُصَنَّفَاتِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَلَكِنْ "صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ" لِأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ نَقَلَهَا مِن جِنْسِ نَقْلِ الْحِلْيَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْكِتَابَيْنِ الصِّحَّةُ، وَمَعَ هَذَا فَفِيهِمَا أَحَادِيثُ وَحِكَايَاتٌ بَاطِلَةٌ.
وَأَمَّا الزُّهْدُ لِلْإِمَامِ أَحْمَد وَنَحْوهُ فَلَيْسَ فِيهِ مِن الْأَحَادِيثِ وَالْحِكَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ مِثْلُ مَا فِي هَذِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِي مُصَنَّفَاتِهِ عَمَّن هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْوَضْعِ؛ بَل قَد يَقَعُ فِيهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ بِسُوءِ حِفْظِ نَاقِلِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ قُصِدَ الْكَذِبُ فِيهِ، كَمَا لَيْسَ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِهِ، لَكِنْ فِيهِ مَا يُعْرَفث أَنَّهُ غَلَطٌ كَلِطَ فِيهِ رُوَاتُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ فِي غَالِبِ كُتُبِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَسْلَمُ كِتَابٌ مِن الْغَلَطِ إلَّا الْقُرْآنُ.
وَأَجَلُّ مَا يُوجَدُ فِي الصِّحَّةِ "كِتَابُ الْبُخَارِيِّ" وَمَا فِيهِ مَتْنٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ غَلَطٌ عَلَى الصَّاحِبِ، لَكِنْ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَا هُوَ غَلَطٌ وَقَد بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ فِي نَفْسِ صَحِيحِهِ مَا بَيَّنَ غَلَطَ ذَلِكَ الرَّاوِي كَمَا بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي ثَمَنِ بَعِيرِ جَابِرٍ وَفِيهِ عَن بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يُقَالُ: إنَّهُ غَلَطٌ كَمَا فِيهِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute