السَّلَفِ يُمْسِكُونَ عَن مِثْل هَذَا، وَقَد ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَن أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِهِ قُدْرَتُهُ وَأَمْرُهُ.
قَالَ: وَقَد بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: ٣٣].
قُلْت: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ عَن أَحْمَد فِي كِتَابِ "الْمِحْنَةِ" أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُنَاظَرَةِ لَهُم يَوْمَ الْمِحْنَةِ لَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "تَجِيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ".
قَالُوا: وَالْمَجِيءُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَخْلُوق، فَعَارَضَهُم أَحْمَد بِقَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢]، {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: ١٥٨]، وَقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "تَجِيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ": ثَوَابُهُمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ.
وَقَد اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أحْمَد فِيمَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
فَإِنَّهُ لَا ريبَ أَنَّهُ خِلَافُ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَن أَحْمَد فِي مَنْعِهِ مِن تَأْوِيلِ هَذَا، وَتَأْوِيلِ النُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْأَفْعَالِ.
وَحَنْبَلٌ يَنْفَرِدُ بِرِوَايَاتِ يُغَلِّطُهُ فِيهَا طَائِفَةٌ كَالْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ.
قَالَ أَبُو إسْحَاقَ ابْن شاقلا: هَذَا غَلَطٌ مِن حَنْبَلٍ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَن مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَأَوَّلَ "يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا" أَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ، لَكِنَّ هَذَا مِن رِوَايَةِ حَبِيبٍ كَاتِبِهِ وَهُوَ كَذَّابٌ بِاتِّفَاقِهِمْ. [١٦/ ٤٠٤ - ٤٠٥]
٥٣٢٣ - أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شُكْرٍ: سَرِيغ إلَى تَكْفِيرِ مَن يُخَالِفُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِن السُّنَّةِ، وَقَد يَكُونُ مُخْطِئًا فِيهِ؛ إمَّا لِاحْتِجَاجِهِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ أَو بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ لَكِنْ لَا تَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِهِ، وَمَا أَصَابَ فِيهِ مِن السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ كُلِّ مَن خَالَفَ فِيهِ.
فَلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ كَافِرًا لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا نِزَاعُ الْأَمَةِ.