للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِيمَانِ وَهُوَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وَلَا يَكُونُ مُؤمِنًا بَاطِنًا حَتَّى يُقِرَّ بِقَلْبِهِ بِذَلِكَ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ الشَّكُّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ وُجُودِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَالْكُفْرُ: عَدَمُ الْإِيمَانِ بِاتِّفَاقِ الْمسْلِمِينَ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ نَقِيضَهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ أَو لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ.

وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْقرَبِ وَالْحَسَنَاتِ وَالطَّاعَاتِ: فَهُوَ مَأمُورٌ بِهِ، وَالْكفْرُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ وَالْمَعَاصِي: تَرْكَ هَذَا الْمَأْمُورِ بِهِ، سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ مَنْهِي عَنْهُ مِنَ التَّكْذِيبِ أَو لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ شَيْءٌ بَل كَانَ تَرْكًا لِلْإِيمَانِ فَقَطْ: عُلِمَ أَنَّ جِنْسَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِن جِنْسِ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ كَانَ مِن أَبِي الْجِنِّ وَأَبِي الْإِنْسِ، أَبَوَيِ الثَّقَلَيْنِ الْمَأُمُورينِ، وَكَانَ ذَنْبُ أَبِي الْجِنِّ أَكْبَرَ وَأَسْبَقَ وَهُوَ تَرْكُ الْمَأمُورِ بِهِ وَهُوَ السُّجُودُ إبَاءً وَاسْتِكْبَارًا، وَذَنْبُ أَبِي الْإِنْسِ كَانَ ذَنْبًا صَغِيرًا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧] وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ.

وَإِن كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَنْبٍ.

وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكَلَام وَالشِّيعَةِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرُهُم مِمَن يُوجِبُ عِصْمَةَ الأَنْبِيَاءِ مِن الصَّغَائِرِ، وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِن شَيْءٍ وَوَقَعُوا فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِ اللهِ عَن مَوَاضِعِهِ.

فَإِنْ قُلْت: فَالذُّنُوبُ تَنْقَسِمُ إلَى تَرْكِ مَأُمُورٍ بِهِ وَفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ.

قُلْت: لَكِنَّ الْمَأمُورَ بِهِ إذَا تَرَكَهُ الْعَبْدُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤمِنًا بِوُجُوبِه أَو لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ مُؤمِنًا بِوُجُوبِهِ تَارِكًا لِأَدَائِهِ: فَلَمْ يَتْرُكِ الْوَاجِبَ كُلَّهُ؛ بَل أَدَّى بَعْضَة وَهُوَ الْإيمَانُ بِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ وَهُوَ الْعَمَلُ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>