للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمُ إذَا فَعَلَهُ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤُمِنًا بِتَحْرِيمِهِ أَو لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ مُؤُمِنًا بتَحْرِيمِهِ فَاعِلًا لَهُ: فَقَد جَمَعَ بَيْنَ أَدَاءِ وَاجِبٍ وَفِعْلِ مُحَرَّمٍ، فَصَارَ لَهُ حَسَنَةٌ وَسَيِّئَةٌ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ بِوُجُوبِهِ وَتَحْرِيمِهِ مِنَ الْأمُورِ الْمُتَوَاتِرَةِ.

وَأَمَّا كَوْنُ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الشَّرَائِعِ كُفْرًا، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ كُفْرًا: فَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَد دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ اللهِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين} [التوبة: ١١] إذِ الْإِقْرَارُ بِهَا مُرَادٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي تَرْكِ الْفِعْلِ نِزَاعٌ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] فَإِنَّ عَدَمَ الْإِيمَانِ بِوُجُوبِهِ وَتَرْكِهِ كُفْرٌ، وَالْإِيمَانُ بِوُجُوبِهِ وَفِعْلِهِ يَجِبُ أَنْ يَكونَ مُرَادًا مِن هَذَا النَّصِّ، كَمَا قَالَ مَن قَالَ مِنَ السَّلَفِ: "هُوَ مَن لَا يَرَى حَجَّهُ بِرًّا وَلَا تَرْكَهُ إثْمًا"، وَأَمَّا التَّرْكُ الْمُجَرَّدُ فَفِيهِ نِزَاعٌ.

وإذَا تَأَمَّلْت أَهْلَ الضَّلَالِ وَالْخَطَأِ مِن هَذِهِ الْأْمَّةِ تَجِدُ الْأَصْلَ: تَرْكَ الْحَسَنَاتِ لَا فِعْلَ السَّيِّئاتِ، وَأَنَّهُم فِيمَا يُثْبِتُونَهُ أَصْلُ أَمْرِهِمْ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أُتُوا مِن جِهَةِ مَا نَفَوْهُ، وَالْإِثْبَاتُ فِعْلُ حَسَنَةٍ، وَالنَّفْيُ تَرْكُ سَيِّئَةٍ، فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الْحَسَنَاتِ أَضَرُّ مِن فِعْلِ السَّيِّئَاتِ وَهُوَ أَصْلُهُ.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الوعيدية مِنَ الْخَوَارجِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا يُعَظّمُونَهُ مِن أَمْرِ الْمَعَاصِي وَالنَّهْي عَنْهَا وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَتَعْظِيمِهِ: أَحْسَنُوا، لَكنْ إنَّمَا اتُوا مِن جِهَةِ عَدَمِ اتِّبَاعِهِمْ لِلسُّنَّةِ، وَإِيمَانِهِمْ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لِلْمُؤمِنِ وَإِن كَانَ ذَا كَبِيرَةٍ.

وَكَذَلِكَ الْمُرْجِئَةُ فِيمَا أَثْبَتُوهُ مِن إيمَانِ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ: أَحْسَنُوا، لَكِنْ إنَّمَا أَصْلُ إسَاءَتِهِمْ مِن جِهَةِ مَا نَفَوْهُ مِن دُخُولِ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ وَعُقُوبَاتِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>