للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَمَّا كَانَ اللهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ مَن قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا طَرَدَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُم أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِي فَقَالُوا: لَا يُسَلَّمُ عَلَى غَيْرِهِ!

وَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ عَن أَحَدٍ مِن الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَكْثَرُ الْمُتَأخِّرِينَ أَنْكرُوهُ، فَإِنَّ السَّلَامَ عَلَى الْغَيْرِ مَشْرُوعٌ، سَلَام التَّحِيَّةِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ .. وَالرَّدُّ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ: إمَّا عَلَى الْأَعْيَانِ وَاِمَّا عَلَى الْكِفَايَةِ.

وَقَد كَانَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِم فَيَقُولُوا: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِن الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ" (١).

فَاَلَّذِينَ جَعَلُوا السَّلَامَ مِن خَصَائِصِهِ لَا يَمْنَعُونَ مِن السَّلَامِ عَلَى الْحَاضِرِ، لَكِنْ يَقُولُونَ: لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْغَائِبِ، فَجَعَلُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ مَعَ الْغَيْبَةِ مِن خَصَائِصِهِ.

وَهَذَا حَق، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ وإيجَابَهُ هُوَ مِن خَصَائِصِهِ، كَمَا فِي التَّشَهُّدِ، فَلَيْسَ فِيهِ سَلَامٌ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَّا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ.

وَهَذَا يُويّدُ أَنَّ السَّلَامَ كَالصَّلَاةِ كِلَاهمَا وَاجِبٌ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

وَغَيْرُهُ (٢) فَلَيْسَ وَاجِبًا إلَّا سَلَامُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَإِنَّهُ مُؤَكَّد بِالِاتِّفَاقِ.

وَهَل يَجِبُ أَو يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ معروفيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَد رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" (٣) عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ علَى الْمُسْلِمِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ، ويَعُوده إذَا مَرِضَ، ويُشَيِّعُهُ إذَا مَاتَ، وَيُجِيبُهُ إذَا دَعاه".

وَقَد أَوْجَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ.


(١) هذا استدلال بجواز السلام على الغائب.
(٢) أي: غير النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) (٢١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>