للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صَدَّقَ قَلْبُهُ بِأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَهُوَ يُبْغِضهُ وَيحْسُدُهُ ويسْتَكْبِرُ عَن مُتَابَعَتِهِ لَمْ يَكُن قَد آمنَ قَلْبُهُ. [١٠/ ٢٦٨ - ٢٦٩]

٥٧ - الْإِيمَانُ وَإِن تَضَمَّنَ التَّصْدِيقَ فَلَيْسَ هُوَ مُرَادِفًا لَهُ، فَلَا يُقَالُ لِكُلِّ مُصَدِّقٍ بِشَيءِ: إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِهِ. فَلَو قَالَ: أَنَا أُصَدِّقُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا يُشَاهِدُهُ النَّاسُ ويعْلَمُونَهُ لَمْ يُقَلْ لِهَذَا: إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِذَلِكَ؛ بَل لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَن أَخْبَرَ بِشَيءٍ مِن الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ؛ كَقَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف:١١٧] فَإِنَّهُم أَخْبَرُوهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ، وَهُم يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَن آمَنَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ؛ فَالْأَوَّلُ يُقَالُ لِلْمُخْبِرِ، وَالثَّانِي يُقَالُ لِلْمُخْبَرِ بِهِ. [١٠/ ٢٦٩ - ٢٧٠]

٥٨ - لَنْ يَسْتَغْنِيَ الْقَلْبُ عَن جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ اللهُ هُوَ مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، وَلَا يَسْتَعِينُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَفْرَحُ إلَّا بِمَا يُحِبُّهُ ويرْضاهُ، وَلَا يَكْرَهُ إلَّا مَا يُبْغِضُهُ الرَّبُّ وَيَكْرَهُهُ، وَلَا يُوَالِي إلَّا مَن وَالَاهُ اللهُ، وَلَا يُعَادِي إلَّا مَن عَادَاهُ الله، وَلَا يُحِبُّ إلَّا للهِ، وَلَا يُبْغِضُ شَيْئًا إلَّا للهِ، وَلَا يُعْطِي إلَّا للهِ، وَلَا يَمْنَعُ إلَّا للهِ.

فَكُلَّمَا قَوِيَ إخْلَاصُ دِينِهِ للهِ كَمُلَتْ عُبُودِيَّتُهُ وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَن الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِكَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ للهِ يُبَرِّئُهُ مِن الْكِبْرِ وَالشِّرْكِ. [١٠/ ١٩٨]

٥٩ - إِنَّ الْإِنْسَانَ قَد يَقْصِدُ سُؤَالَ اللهَ وَحْدَهُ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ فِي أُمُورٍ لَا يُحِبُّهَا اللهُ؛ بَل يَكْرَهُهَا وَيَنْهَى عَنْهَا، فَهَذَا وَإِن كَانَ مُخْلِصًا لَهُ فِي سُؤَالِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، لَكنْ لَيْسَ هُوَ مُخْلِصًا فِي عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ.

وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَد يَقْصِدُونَ طَاعَةَ اللهَ وَرَسُولِهِ لَكِنْ لَا يُحَقِّقُونَ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ، فَهَؤلَاءِ يُثَابُونَ عَلَى حُسْنِ نِيَّتِهِمْ وَعَلَى طَاعَتِهِمْ، لَكِنَّهُم مَخْذُولُونَ فِيمَا يَقْصِدُونَهْ إذ لَمْ يُحَقِّقُوا الِاسْتِعَانَةَ باللهِ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، وَلهَذَا يُبْتَلَى الْوَاحِدُ مِن هَؤُلَاءِ بِالضَّعْفِ وَالْجَزَعِ تَارَةً، وَبِالْإِعْجَابِ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُهُ مِن

<<  <  ج: ص:  >  >>