للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْخَيْرِ كَانَ لِضَعْفِهِ، وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ جَزَعٌ، فَإِنْ حَصَلَ فرَادُهُ نَظَرَ إلَى نَفْسِهِ وَقُوَّتِهِ فَحَصَلَ لَهُ إعْجَابٌ، وقد يُعْجَبُ بِحَالِهِ فَيَظُنُّ حُصُولَ مُرَادِهِ فَيُخْذَلُ (١).

قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥] إلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)} [التوبة: ٢٧].

وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ النَّاسُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، فَالرِّيَاءُ مِن بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالْخَلْقِ، وَالْعُجْبُ مِن بَابِ الْإِشْرَاكِ بِالنَّفْسِ، وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَكْبِرِ، فَالْمُرَائي لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥]، وَالْمُعْجَبُ لَا يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥]، فَمَن حَقَّقَ قَوْلَهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} خَرَجَ عَن الرِّيَاءِ، وَمَن حَقَّقَ قَوْلَهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} خَرَجَ عَن الْإِعْجَابِ. [١٠/ ٢٧٦ - ٢٧٧]

٦٠ - لم يؤمر بالحزن المنافي للرضى قط، مع أنه لا فائدة فيه، فقد يكون فيه مضرة لكنه يعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله.

لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، وذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه، وبهذا يعرف معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بكى على الميت وقال: "إِنَّ هَذَهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا الله فِي قُلُوبِ محِبَادِه، وَإِنَّمَا يَرْحَم اللهُ مِنْ عِبَاده الرُّحَمَاء" (٢)، فإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك (٣) وقال: رأيت أن الله قد قضى فأحببت أن أرضى بما قضى الله به، حاله حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع.


(١) من أخطاء بعض طلاب العلم وأهل الصلاح أنهم ينشغلون بالعلم أو الدعوة عن تصحيح القلب والنية، فتسري إليهم أمراض القلب من العجب والغرور والاستطالة على الآخرين.
(٢) متفق عليه.
(٣) في الأصل: (فضحك)! ولعل الصواب حذف الفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>