للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ، وَلَمْ يُخَالِفْهُم فِيهِ أَحَدٌ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ.

فَلَفْظُ الْمَعِيَّةِ لَيْسَتْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا شيْء مِن الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا اخْتِلَاطُ إحْدَى الذَّاتَيْنِ بِالْأخْرَى؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: ٢٩] وَقَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]، وَمِثْلُ هَذَا كَثيرٌ.

فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَاتَه مُخْتَلِطَة بذَوَاتِ الْخَلْقِ.

وَطَائِفَةٌ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ تُفَسّرُ الْقُرْبَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ بِالْعِلْمِ؛ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُود، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ ويسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِي حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى أَنْ يَقُولَ مَن يَقُولُ: إنَّهُ قَرِيبٌ مِن كُلِّ شَيءٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا قَد قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ.

لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ نَفْسَ ذَاتِهِ قَرِيبَةٌ مِن كُلِّ شيْءٍ.

وَهَذَا الْمَعْنَى يُقِرُّ بِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، مَن يَقُولُ: إنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَمَن يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ.

وَسِيَاقُ الْآيَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَلَائِكة؛ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٦ - ١٨] فَقَيَّدَ الْقُرْبَ بِهَذَا الزَّمَانِ، وَهُوَ زَمَانُ تَلَقِّي الْمُتَلَقِّيَيْنِ، قَعِيدٌ عَن الْيَمِينِ وَقَعِيدٌ عَن الشِّمَالِ، وَهُمَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ اللَّذَانِ يَكتُبَانِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَو كَانَ الْمُرَادُ قُرْبَ ذَاتِ الرَّبّ لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْحَالِ، وَلَمْ يَكُن لِذِكْرِ الْقَعِيدَيْنِ وَالرَّقِيبِ وَالْعَتِيدِ مَعْنى مُنَاسِب.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأخْرَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥)} [الواقعة: ٨٣ - ٨٥] فَلَو أَرَادَ قرْبَ ذَاتِهِ لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْحَالِ، وَلَا قَالَ: {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}؛ فَإِنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>