للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنَّمَا يُقَالُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَن يَجُوزُ أَنْ يُبْصَرَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنْ نَحْنُ لَا نُبْصِرُهُ، وَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يَرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَا الْمَلَائِكَةُ وَلَا الْبَشَرُ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَقَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وَهَذَا كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣)} [القصص: ٣] وَقَالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: ٣]، وَقَالَ: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} (١).

فَإنَّ مِثْل هَذَا اللَّفْظِ إذَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِجُنُودِهِ وَأَعْوَانِهِ مِن الْمَلَائِكَةِ (٢)؛ فَإِنَّ صِيغَةَ "نَحْنُ" يَقُولُهَا الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ جُنودٌ يَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ، وَلَيْسَ لِأحَد جُنْدٌ يُطِيعُونَهُ كَطَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ رَبَّهُمْ، وَهُوَ خَالِقُهُم وَرَبُّهُم، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعَالِمُ بِمَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَمَلَائِكَتُهُ تَعْلَمُ؛ فَكَانَ لَفظُ نَحْنُ هنَا هُوَ الْمُنَاسِب.

وَأَمَّا قُرْبُ الرَّبِّ قُرْبًا يَقُومُ بِهِ بِفِعْلِهِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ: فَهَذَا تَنْفِيهِ الْكُلَّابِيَةُ وَمَن يَمْنَعُ قِيَامَ الْأفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ.

وَأمَّا السَّلَفُ وَأئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: فَلَا يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ.

فَنُزُولُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، وَنُزُولُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَنَحْو ذَلِكَ: هُوَ مِن هَذَا الْبَابِ (٣)؛ وَلهَذَا حُدَّ النُّزُولِ بِأَنَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ تَكْلِيمُهُ لِمُوسَى -عليه السلام-.


(١) والذي تلاه وقصه وأقرأه عليه إنما هو جبريل، وليس الله تعالى.
(٢) ولا يَفْهمُ أيُّ عاقلٍ من قول الملك أو الأمير: أمسكنا بالقاتل، وعاقبنا المجرم، وسجنا المتهم أنّ الممسك والمعاقب والساجن هو الأمير أو الملك نفسُه؛ بل أعوانه الذين يتصرفون تحت إمرتِه وسلطتِه.
(٣) أي: ينزل نزولًا يَقُومُ بِهِ بِفِعْلِهِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>