للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ" (١)، و"إِنِّي أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِن قِبَلِ الْيَمَنِ" (٢): فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ كَذِبٌ عَلَى أَحْمَد، لَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ عَنْة بِإِسْنَاد، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِن أَصْحَابِهِ نَقْلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَهَذَا الْحَنْبَلِيُّ الَّذِي ذَكَرَ عَنْهُ أَبُو حَامِدٍ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، لَا عِلْمُهُ بِمَا قَالَ، وَلَا صِدْقُهُ فِيمَا قَالَ.

وَأَيْضًا: وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ: هَل اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ فِي تَأْوِيلِ الْمَجِيءِ وَالْأِتْيَانِ وَالنُّزولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ عَنْهُ فِي "الْمِحْنَةِ" أَنَّهُم لَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "تَجِيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَو غَيَايَتَانِ أَو فِرْقَانِ مِن طَيْرٍ صَوَافَّ" (٣) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ إتْيَانُ الْقُرْآنِ وَمَجِيئُهُ.

وَقَالُوا لَهُ: لَا يُوصَفُ بِالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ إلَّا مَخْلُوقٌ.

فَعَارَضَهُم أَحْمَد بِقَوْلِهِ - (٤) وَأَحْمَد وَغَيْرُهُ مِن أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فَسَّرُوا هَذَا الْحَدِيثَ بأنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَجِيءُ ثَوَابِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، كَمَا ذَكَرَ مِثْل ذَلِكَ مِن مَجِيءِ الْأَعْمَالِ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْقِيَامَةِ، وَالْفرَادُ مِنْهُ ثَوَابُ الْأَعْمَالِ.

وَالنَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اقْرَؤُوا الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَجِيئَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"،

فَلَمَّا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهِمَا وَذَكَرَ مَجِيئَهُمَا يُحَاجَّانِ عَن الْقَارِئِ: عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ قِرَاءَةَ الْقَارِئِ لَهُمَا، وَهُوَ عَمَلُهُ، وَأَخْبَرَ بِمَجِيءِ عَمَلِهِ الَّذِي هُوَ التِّلَاوَةُ لَهُمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، كَمَا أَخْبَرَ بِمَجِيءِ غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَعْمَالِ.


(١) رواه مسلم (٢٦٥٤).
(٢) رواه الإمام أحمد (١٠٩٧٨) عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا بلفظ: "ألَا إِنَّ الإيمَانَ يَمَانٍ، وَالْحِكمَةَ يَمَانِيَةٌ، وَأَجدُ نَفَسَ رَبَّكُمْ مِن قِبَلِ الْيَمَنِ".
وضعفه الأَلباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (١٠٩٧).
(٣) رواه مسلم (٨٠٤).
(٤) هذه جملة اعتراضية، والعجيب من إطالة الشيخ في الجملة الاعتراضية، والتي لا يُطال فيها، ولكن الشيخ كعادته لا يُمسك يده إذا كان القلم بين أصابعه. -رحمه الله- رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات عدن.

<<  <  ج: ص:  >  >>