للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَخْبَرَ بِمَجِيءِ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَن قِرَاءَةِ الْقَارِئِ، الَّتِي هِيَ عَمَلُهُ، وَذَلِكَ هُوَ ثَوَابُ قَارِئِ الْقُرْآنِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، يَتَصَوَّرُ صُورَةَ غَمَامَتَيْنِ.

فَلَمْ يَكُن فِي هَذَا حُجَّةٌ للجهمية عَلَى مَا ادَّعَوْه - (١).

ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد فِي الْمِحْنَةِ عَارَضَهُم بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠]، قَالَ: قِيلَ: إنَّمَا يَأْتِي أَمْرُهُ.

هَكَذَا نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا غَيْرُهُ مِمَن نَقَلَ مُنَاظَرَتَهُ فِي "الْمِحْنَةِ"؛ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَد، وَصَالِحِ بْنِ أَحْمَد، والمروذي وَغَيْرِهِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَد فِي ذَلِكَ:

- فَمِنْهُم مَن قَالَ: غَلِطَ حَنْبَلٌ، لَمْ يَقُلْ أَحْمَد هَذَا، وَقَالُوا: حَنْبَلٌ لَهُ غَلَطَاتٌ مَعْرُوفَة، وَهَذَا مِنْهَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إسْحَاقَ بْنِ شاقلا.

- وَمِنْهُم مَن قَالَ: بَل أَحْمَد قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لَهُمْ.

يَقُولُ: إذَا كَانَ أَخْبَرَ عَن نَفْسِهِ بِالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ، وَلَمْ يَكن ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ بَل تَأَوَّلْتُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَاءَ أَمْرُهُ، فَكَذَلِكَ قُولُوا: جَاءَ ثَوَابُ الْقُرْآنِ، لَا أَنَّهُ نَفْسُهُ هُوَ الْجَائِي؛ فَإِنَّ التَّأوِيلَ هُنَا أَلْزَمُ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْإِخْبَارُ بِثَوَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ، وَثَوَابُهُ عَمَلٌ لَهُ، لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ عَن نَفْسِ الْقُرْآنِ.

فَإِذَا كَانَ الرَّبُّ قَد أَخْبَرَ بِمَجِيءِ نَفْسِهِ ثُمَّ تَأَوَّلْتُمْ ذَلِكَ بِاَمْرِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِمَجِيءِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَلَأَنْ تتَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَجِيءِ ثَوَابِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وإِذَا قَالَهُ لَهُم عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ: لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكونَ مُوَافِقًا لَهُم عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَة فِي مَجِيءِ


(١) إلى هنا انتهت الجحلة الاعتراضية مع شيء من التصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>