للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَدِيثِ (١).

وَابْنُ كُلَّابٍ أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَهُ: لَمَّا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ مِن دُخُولِ أَصْلِ كَلَامِ الْجَهْمِيَّة فِي قَلْبهِ، وَقَد بَيَّنَ فَسَادَ قَوْلِهِمْ بِنَفْيِ عُلُو اللهِ، وَنَفْيِ صِفَاتِهِ، وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ، وَبَيَّنَ أَدِلَّةً كَثِيرَةً عَقْلِيَّةً عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّة، وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَ عُلُوَّ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَمُبَايَنَتَهُ لَهُم مِن الْمَعْلُومِ بِالْفِطْرَةِ وَالْأدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقِيَاسِيَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَهَا الْحَارِثُ المحاسبي فِي كِتَابِ "فَهْمُ الْقُرْآنِ" وَغَيْرِهِ، بَيَّنَ فِيهِ مِن عُلُوِّ اللهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ مَا بَيَّنَ بِهِ فَسَادَ قَوْلِ الْنُّفَاةِ.

وَفَرِحَ الْكَثِيرُ مِن النُّظَّارِ الَّذِينَ فَهِمُوا أَصْلَ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَعَلِمُوا ثُبُوتَ الصِّفَاتِ للهِ، وَأَنْكَرُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ، فَرِحُوا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكَهَا ابْنُ كُلَّابٍ.

وَكانَ فِي هَذَا مِن كَسْرِ سَوْرَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة مَا فِيهِ ظُهُورُ شِعَارِ السُّنَّةِ (٢)، وَفوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ اللهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وإِثْبَاتُ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِن أصُولِ السُّنَّةِ.


(١) انظر: إلى هذا الإنصاف والعدل الفريد من نوعه، ولكنه ليس غريبًا على من تربى على الإسلام؛ فالشيخ كما هو معروف ينتسب إلى الحديث وأهلِه، ومَدَحهم في مواضع كثيرة جدًّا، وبيّن أنهم أصح الطوائف منهجًا وعقيدةً، ومع ذلك: فقد انتصر لابنِ كُلَّابٍ وَالْأشعَرِيّ، وهما ليسا من أهل الحديث؛ بل قد ردّ على بعض أقوالهما، ومما قال عنهما: ذَمَّ السَّلَفُ وَالأئِمَّةُ أهْلَ الْكَلَامِ وَالْمُتكَلِّمِين الصفاتية؛ كَابْنِ كَرَّامٍ وَابْنِ كُلَّابِ وَالْأشعَرِيِّ. اهـ.
ومع ذلك: فقد عاب على من ذمّهما بِالْبَاطِلِ مِن أهْلِ الْحَدِيثِ.
وهذا درس لكل مؤمن عاقل، ألا يُدافع عن محبوبه من الأفراد أو الطوائف أو الحكام في الخطأ والصواب، ويذم المخالف ولو قال الحق؛ بل يردّ الباطل ولو جاء من حبيب، ويقبل الحق ولو جاء من بغيض، والبصير الصادق كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: يضرب في كل غنيمة بسهم، ويعاشر كل طائفة على أحسن ما معها، ولا يَتحيَّز إلى طائفة وَينْأى عن الأخرى بالكلية: أن لا يكون معها شيء من الحق. اهـ.
(٢) مع أنَّ كَسْر سَوْرةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة لم يكن على يد أهل السُّنَّة والجماعة؛ بل على يد من عنده بدعٌ في المعتقد، ولكن المؤمن يفرح بانتصار من يُخالفه من أهل القبلة الذين عندهم بدعٌ قليلة على من عندهم بدع كبيرة وعظيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>