للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكِنَّ "الْأصْلَ الْعَقْلِيَّ" الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ ابْنُ كُلَّاب قَوْلَهُ فِي كَلَامِ اللهِ وَصِفَاتِهِ هُوَ اصْلُ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ بِعَيْنِهِ، وَصَارُوا إذَا تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللهِ السَّمَوَاتِ وَالْأرْضَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَخْلُوقَاتِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ بِالْأصْلِ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الْجَهْمِيَّة وَمَن اتَّبَعَهُمْ، فَيَقُولُونَ قَوْلَ أَهْلِ الْمِلَّةِ كَمَا نَقَلَهُ أولَئِكَ، ويُقَرِّرُونَهُ بِحُجَّةِ أولَئِكَ. [٥/ ٥٥٢ - ٥٥٨]

٤٧٢ - كَانَ قُدَمَاءُ الْجَهْمِيَّة يُنْكِرُونَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ للهِ الَّتِي هِى فِينَا أعْرَاضٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، أَو أجْسَامٌ كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ.

وحدثاؤهم اُّقَرُّوا بِكَثِير مِن الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أَعْرَاضٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَنْكَرُوا بَعْضَهَا، وَالصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أجْسَامٌ.

وَفِيهِمْ مَن أَقَرَّ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أجْسَامٌ كَالْيَدِ.

وَاُّمَّا السَّلَفِيَّةُ (١): فَعَلَى مَا حَكَاهُ الخطابي وَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: مَذْهَبُ السَّلَفِ إجْرَاءُ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآياتِ الصِّفَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا، مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا، فَلَا نَقُولُ: إنَّ مَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ، وَلَا إنَّ مَعْنَى السَّمْعِ الْعِلْمُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ، يُحْتَذَى فِيهِ حَذْوَهُ ويُتَبَّعُ فِيهِ مِثَالُهُ.

فَإِذَا كَانَ إثْبَاتُ الذَّاتِ إثْبَاتَ وُجُودٍ لَا إثْبَاتَ كَيْفِيَّة: فَكَذَلِكَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ إثْبَاتُ وُجُودٍ لَا إثْبَاتُ كَيْفِيَّةٍ.

فَقَد أَخْبَرَك الخطابي وَالْخَطِيبُ -وَهُمَا إمَامَانِ مِن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، مُتَّفَقٌ عَلَى عِلْمِهِمَا بِالنَّقْلِ وَعِلْمِ الخطابي بِالْمَعَانِي- أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا.


(١) فيه أن هذه اللفظة لم تكن وليدة اليوم، وهي لا تعني الانتماء إلى حزب، ولا تعني اتخاذها ذريعةً للطعن في العلماء والمصلحين والمجتهدين؛ بل تعني التمسك بآثار ومنهج السلف الصالح من الصاحبة والتابعين، علمًا وعملًا وسلوكًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>