للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُدْعَى بِغَيْرِهَا؛ كَمَا قَالَ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥]، فَهُوَ نَهْيٌ أَن يُدْعَوْا لِغَيْرِ آبَائِهِمْ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ دُعَائِهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ، فَلَا يُدْعَى إلَّا بِالْأسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَأمَّا الْإِخبَارُ عَنْهُ: فَلَا يَكُونُ بِاسْمٍ سَيِّئٍ، لَكِنْ قَد يَكُونُ بِاسْم حَسَنٍ، أَو بِاسْم لَيْسَ بِسَيِّئٍ وَإِن لَمْ يُحْكَمْ بِحُسْنِهِ؛ مِثْل اسْمِ: شَيءٍ، وَذَاتٍ، وَمَوْجُودٍ، إذَا أرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ، وَأمَّا إذَا أُرِيدَ بهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ فَهُوَ مِن الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَكَذَلِكَ الْمُرِيدُ، وَالْمُتَكَلِّمُ (١)؛ فَإِنَّ الْإرَادَةَ وَالْكَلَامَ تَنْقَسِمُ إلَى مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِن الْأسْمَاءِ الْحُسْنَى، بِخِلَافِ الْحَكِيمِ وَالرَّحِيمِ وَالصَّادِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَحْمُودًا.

وَهَكَذَا كَمَا فِي حَق الوَّسُولِ حَيْثُ قَالَ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ١٦٣] فَأَمَرَهُم أَنْ يَقُولُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَا نَبِيَّ اللُّهِ، كَمَا خَاطَبَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [الممتحنة: ١٢] {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: ٤١] لَا يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَحْمَد، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِن كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْإِخْبَارِ -كَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ-: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ كمَا قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: ٢٩].

فَهوَ سُبْحَانَهُ: لَمْ يُخَاطِبْ مُحَمَدًا إلَّا بِنَعْتِ التَّشْرِيفِ؛ كَالرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ، وَخَاطَبَ سَائِرَ الْأنْبِيَاءِ بِأَسْمَائِهِمْ، مَعَ أَنَّهُ فِي مَقَامِ الْاِخْبَارِ عَنْهُ قَد يَذْكُر اسْمَهُ.

فَقَد فَرَّقَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ حَالَتَي الْخِطَابِ فِي حَقِّ الرَّسُولِ، وَأَمَرَنَا بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّهِ (٢).


(١) فالمريد قد يُريد الخير وقد يريد الشر، والمتكلم قد يتكلم بالخير وقد يتكلم بالشر.
(٢) قال العلامة محمد رشيد رضا -رحمه الله- في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: ٤١]: الْخِطَابُ بِوَصْفِ الرَّسُولِ تَشْرِيفٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. =

<<  <  ج: ص:  >  >>