للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ إن ادَّعَى وُجُوبَ صَرْفِهِ عَن الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِن دَلِيلٍ قَاطِعٍ عَقْلِيٌّ أَو سَمْعِيٍّ يُوجِبُ الصَّرْفَ.

وَإِن ادَّعَى طُهُورَ صَرْفِهِ عَن الحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِن دَلِيلٍ مُرَجحٍ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِن أَنْ يَسْلَمَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ -الصَّارِفُ- عَن مُعَارِضٍ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- إذَا تَكَلَّمَ بِكلَام وَأَرَادَ بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَضِدَّ حَقِيقَتِهِ: فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْأُمَّةِ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَتَهُ، وَأَنَّهُ أَرَادَ مَجَازَهُ، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ أَو لَمْ يُعَيِّنْهُ لَا سِيَّمَا فِي الْخِطَابِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي أرِيدَ مِنْهُم فِيهِ الِاعْتِقَادُ وَالْعِلْمُ، دُونَ عَمَلِ الْجَوَارحِ.

فَإنَهُ -سبحانه وتعالي- جَعَلَ الْقُرْآنَ نُورًا وَهُدًى وَبَيَانًا لِلنَّاسِ وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزلَ إلَيْهِم وَليَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.

ثُمَّ هَذَا الرَّسُولُ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ بُعِثَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ، وَأَبْيَنِ الْأَلْسِنَةِ وَالْعِبَارَاتِ، ثُمَّ الْأُمَّةُ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ كَانُوا أَعْمَقَ النَّاسِ عِلْمًا، وَأَنْصَحَهُم لِلْأُمَّةِ، وَأَبْيَنَهُم لِلسُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكلَّمَ هوَ وَهَؤُلَاءِ بِكَلَامٍ يُرِيدُونَ بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ، إلَّا وَقَد نَصبَ دَلِيلًا يَمْنَعُ مِن حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ:

- إمَّا إَنْ يَكونَ عَقلِيًّا ظَاهِرًا مِثلُ قَوْلِهِ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣]؛ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِعَقْلِهِ أَنَّ الْمُرَادَ أُوتيَتْ مِن جِنْسِ مَا يُوتَاهُ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢]، يَعْلَمُ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ الْخَالِقَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومِ.

- أَو سَمْعِيًّا ظَاهِرًا؛ مِثْلُ الدَّلَالَاتِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ الَّتِي تَصْرِف بَعْضَ الظَّوَاهِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>