للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا يَجُوزُ أنْ يُحِيلَهُم عَلَى دَلِيل خَفِيٍّ لَا يَسْتَنْبِطُهُ إلَّا أَفْرَادُ النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ سَمْعِيًّا أَو عَقْلِيًّا؛ لِأنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلَام الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى وَأَعَادَهُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، وَخَاطَبَ بِهِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ، وَفِيهِم الذكِيُّ وَالْبَلِيدُ، وَالْفَقِيهُ وَغَيْرُ الْفَقِيهِ، وَقَد أَوْجَبَ عَلَيْهِم أَنْ يَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ الْخِطَابَ ويعْقِلُوهُ، ويتَفَكَّرُوا فِيهِ وَيَعْتَقِدُوا مُوجَبَهُ، ثُمَّ أَوْجَبَ أَنْ لَا يَعْتَقِدُوا بهَذَا الْخِطَابِ شَيْئًا مِن ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ دَلِيلًا خَفِيًّا يَسْتَنْبِطُهُ أَفْرَادُ النَّاسِ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ظَاهِرَهُ: كَانَ هَذَا تَدْلِيسًا وَتَلْبِيسًا، وَكَانَ نَقِيضَ الْبَيَانِ، وَضِدَّ الْهُدَى، وَهُوَ بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِيِّ أَشبَة مِنْهُ بِالْهُدَى وَالْبَيَانِ.

فَكَيْفَ إذَا كَانَت دَلَالَةُ ذَلِكَ الْخِطَابِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَقْوَى بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ مِن دَلَالَةِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْخَفِيِّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، أَمْ كَيْفَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْخَفِيُّ شبْهَةً لَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ؟

فَسَلَّمَ لِي ذَلِكَ الرَّجُلُ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ.

قُلْت: وَنَحْنُ نتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةٍ مِن الصِّفَاتِ، وَنَجْعَلُ الْكَلَامَ فِيهَا أُنْمُوذَجًا يُحْتَذَى عَلَيْهِ، وَنُعَبِّرُ بِصِفَةِ "الْيَدِ"، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: ٦٤]، وَقالَ تَعَالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمرة ٦٧]، وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: ١]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١)} [يس: ٧١].

وَقَد تَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ مَجِيءُ "الْيَدِ" فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

فَالْمَفْهُومُ مِن هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ للهِ تَعَالَى يَدَيْنِ مُخْتَصَّتَيْنِ بِهِ ذَاتِيَّتَيْنِ لَهُ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ آدمَ بِيَدِهِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَإِبْلِيسَ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقْبِضُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَأَنَّ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>