للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَسْطِهِمَا بَذْلُ الْجُودِ وَسَعَةُ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالْجُودَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ بِبَسْطِ الْيَدِ وَمَدِّهَا، وَتَرْكُهُ يَكُونُ ضَمًّا لِلْيَدِ إلَى الْعُنُقِ، صَارَ مِن الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ، إذَا قِيلَ هُوَ مَبْسُوطُ الْيَدِ فُهِمَ مِنْهُ يَدٌ حَقِيقَةً، وَكَانَ ظَاهِرُهُ الْجُودَ وَالْبُخْلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩].

قُلْت لَهُ: فَالْقَائِلُ:

- إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ مِن جِنْسِ أَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ جَارِحَةً: فَهَذَا حَقٌّ.

- وَإِن زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ السَّبْعِ (١): فَهُوَ مُبْطِلٌ.

فَيَحْتَاجُ إلَى تِلْكَ الْمَقَامَاتِ الْأَرْبَعَةِ:

- أمَّا الْأَوَّلُ: فَيَقُولُ: إنَّ الْيَدَ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَالْعَطِيَّةِ؛ تَسْمِيَةً لِلشَّيءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، كَمَا يُسَمَّى الْمَطَرُ وَالنَّبَاتُ سَمَاءً، وَمِنْهُ قَوْلُهُم: لِفُلَان عِنْدَهُ أَيَادٍ.

- وَقَد تَكُونُ الْيَدُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ؛ تَسْمِيَةً لِلشَّيءِ بِاسْمِ مُسَبِّبِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ تُحَرِّكُ الْيَدَ، يَقُولُونَ: فُلَانٌ لَهُ يَدٌ فِي كَذَا وَكَذَا .. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧]، وَالنكَاحُ كَلَام يُقَالُ، وإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ مُقْتَدِر عَلَيْهِ.

- وَقَد يَجْعَلُونَ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَيْهَا إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى الشَّخْصِ نَفْسِه؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْأَفْعَالِ لَمَّا كَانَت بِالْيَدِ جُعِلَ ذِكْرُ الْيَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فُعِلَ بِنَفْسِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: ١٨٢]؛ أَيْ: بِمَا قَدَّمْتُمْ؛ فَإِنَّ بَعْضَ مَا قَدَّمُوهُ كَلَامٌ تكلَّمُوا بِهِ.

قُلْت لَهُ: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ لُغَةَ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي هَذَا كُلِّهِ، والمتأولون لِلصِّفَاتِ الَّذِينَ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَأَلْحَدُوا فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ


(١) أي: صفات الله تعالى السبع التي يُثبتها الأشاعرة، ويُؤوِّلون ما عداها، وهي: قدرة الله تعالى -عز وجل-، وعلمه، وحياته، وإرادته، وسمعه، وبصره، وكلا مه، وزعموا أنها صفات له أزلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>