للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، وَقَوْلَهُ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} عَلَى هَذَا كُلِّهِ، فَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ نِعْمَتُهُ؛ أَيْ: نِعْمَةُ الدُّنْيَا وَنعْمَةُ الْآخِرَةِ، وَقَالُوا: بِقُدْرَتهِ، وَقَالُوا: اللَّفْظُ كِنَايَةٌ عَن نَفْسِ الْجُودِ، مِن غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ يَدٌ حَقِيقَةً؛ بَل هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَد صَارَتْ حَقِيقَةً فِي الْعَطَاءِ وَالْجُودِ.

وَقَوْلُهُ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؛ أَيْ: خَلَقْته أنَا، وَإِن لَمْ يَكُن هُنَاكَ يَدٌ حَقِيقِيَّة.

قُلْت لَهُ: فَهَذِهِ تَأوِيلَاتُهُمْ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْت لَهُ: فَنَنْظُرُ فِيمَا قَدَّمْنَا:

الْمَقَامُ الْأوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ "الْيَدَيْنِ" بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النِّعْمَةِ وَلَا فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ مِن لُغَةِ الْقَوْمِ اسْتِعْمَالَ الْوَاحِدِ فِي الْجَمْعِ؛ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)} [العصر: ٢]، وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْوَاحِدِ؛ كقَوْلِهِ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران: ١٧٣]، وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤].

أَمَّا اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْوَاحِدِ فِي الِاثْنَيْنِ أَو الِاثْنَيْنِ فِي الْوَاحِدِ: فَلَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَدَد، وَهِيَ نصُوصٌ فِي مَعْنَاهَا، لَا يُتَجَوَّزُ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي رَجُل وَيعْنِي: رَجُلَيْنِ، وَلَا عِنْدِي رَجُلَانِ ويعْنِي بِهِ: الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَاحِدِ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ، وَالْجِنْسُ فِيهِ شِيَاعٌ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَمْعِ فِيهِ مَعْنَى الْجِنْسِ، وَالْجِنْسُ يَحْصُلُ بِحُصُولِ الْوَاحِدِ.

فَقَوْلُهُ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِالِاثْنَيْنِ عَن الْوَاحِدِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ النِّعْمَةُ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللهِ لَا تُحْصَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عَن النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>