للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَسْت تَجِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا الْعَجَمِ -إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- أَنَّ فَصِيحًا يَقُولُ: فَعَلْت هَذَا بِيَدَيَّ، أَو فُلَانٌ فَعَلَ هَذَا بِيَدَيْهِ، إلَّا ويكُون فَعَلُه بِيَدَيْهِ حَقِيقَةً.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَدَ لَهُ، أَو أَنْ يَكُونَ لَه يَدٌ وَالْفِعْلُ وَقَعَ بِغَيْرِهَا.

وَبِهَذَا الْفَرْقِ الْمُحَقَّقِ:

- تَتَبَيَّنُ مَوَاضِعُ الْمَجَازِ وَمَوَاضِعُ الْحَقِيقَةِ.

- وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْآيَاتِ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ أَلْبَتَّةَ مِن جِهَةِ نَفْسِ اللُّغَةِ.

قَالَ لِي: فَقَد أَوْقَعُوا الِاثْنَيْنِ مَوْقِعَ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: ٢٤]، وَإِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ.

قُلْت لَه: هَذَا مَمْنُوعٌ، بَل قَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} قَد قِيلَ: تَثْنِيَةُ الْفَاعِلِ لِتَثْنِيَةِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى: أَلْقِ أَلْقِ.

وَقَد قِيلَ: إنَّه خِطَابٌ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ.

وَمَن قَالَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ قَالَ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُون مَعَهُ اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا عَن يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَن شِمَالِهِ، فَيَقُولُ: خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ.

ثُمَّ إنَّهُ يُوقِعُ هَذَا الْخِطَابَ وَإِن لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ؛ كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ مَوْجُودَيْنِ.

فَقَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِاثْنَيْنِ يُقَدَّرُ وُجُودُهُمَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ أَلْبَتَةَ.

قُلْت لَهُ: الْمَقَامُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْنِيَ بِالْيَدِ: حَقِيقَةَ الْيَدِ، وَأَنْ يَعْنِيَ بِهَا: الْقُدْرَةَ، أَو النِّعْمَةَ، أَو يَجْعَلَ ذِكْرَهَا كِنَايَةً عَن الْفِعْلِ، لَكِنْ مَا الْمُوجِبُ لِصَرْفِهَا عَن الْحَقِيقَةِ؟

فَإِنْ قُلْت: لِأَنَّ الْيَدَ هِيَ الْجَارِحَةُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>