للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُلْت لَك: هَذَا وَنَحْوُهُ يُوجِبُ امْتِنَاعَ وَصْفِهِ بِأَنَّ لَهُ يَدًا مِن جِنْسِ أَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ تُنَاسِبُ ذَاتَهُ تَسْتَحِقُّ مِن صِفَاتِ الْكَمَالِ مَا تَسْتَحِقُّ الذَّاتُ؟

قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ مَا يُحِيل هَذَا (١).

قُلْت: فَإِذَا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا وَهُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ: فَلِمَ يُصْرَفُ عَنْهُ اللَّفْظُ إلَى مَجَازِهِ؟

وَكُلُّ مَا يَذْكُرُهُ الْخَصْمُ مِن دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ وَصْفِهِ بِمَا يُسَمَّى بِهِ - وَصَحَّت الدَّلَالَةُ -: سُلِّمَ لَهُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَحِقُّة الْمَخْلُوقُ مُنْتَفٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُ يَدٌ يَسْتَحِقُّهَا الْخَالِقُ؛ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ؛ بَل كَالذاتِ وَالْوُجُودِ.

الْمَقَامُ الثَّالِثُ: قُلْت لَهُ: بَلَغَك أَنَّ فِي كِتَابِ اللهِ أَو فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَو عَن أَحَدٍ مِن أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّهُم قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْيَدِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، أَو الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ، أَو هَل فِي كِتَابِ اللهِ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ وَصْفِهِ بِالْيَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً؛ بَل أَو دَلَالَة خَفِيَّةً؟.

وَكَذَلِكَ: هَل فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الْبَارِيَ لَا يَدَ لَهُ أَلْبَتَّةَ؟.

فَإِذَا لَمْ يَكُن فِي السَّمْعِ وَلَا فِي الْعَقْلِ مَا يَنْفِي حَقِيقَةَ الْيَدِ أَلْبَتَّةَ، وَإِن فُرِضَ مَا يُنَافِيهَا فَإِنَّمَا هُوَ مِن الْوُجُوهِ الْخَفِيَّةِ -عِنْدَ مَن يَدَّعِيهِ-، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ شُبْهَةٌ فَاسِدَةٌ.


(١) المناظر لشيخ الاسلام سلّم بهذا الكلام؛ وذلك يدل على خلوه من الهوى والعلم عند الله، ومتى نزع الإنسان من قلبه آفة الهوى: وُفق لقبول الحق، ومتى استحكم فيه الهوى: ترك الأدلة التي هي أوضح من الشمس في رابعة النهار، وأوضح من القمر إذا كان بدرًا لا يحجُبه سحابٌ أو غُبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>