وَلهَذَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ لَفْظُ آمَنَ لَهُ إلَّا فِي هَذَا النَّوْعِ.
فَاللَّفْظُ مُتَضَمِّنٌ:
أ - معنى التَّصْدِيقِ.
ب - وَمَعْنَى الِائتِمَانِ وَالْأَمَانَةِ.
كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ وَالِاشْتِقَاقُ؛ وَلهَذَا قَالُوا: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧]؛ أَيْ: لَا تُقِرُّ بِخَبَرِنَا وَلَا تَثِقُ بِهِ، وَلَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَلَو كُنَّا صَادِقِينَ؛ لِأَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا عِنْدَهُ مِمَن يُؤتَمَنُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَو صَدَقُوا لَمْ يَأمَن لَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ لَمْ يُقَابَل بِالتَّكْذِيبِ كَلَفْظِ التَّصْدِيقِ .. بَل الْمَعْرُوفُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيمَانِ لَفْظُ الْكُفْرِ.
يُقَالُ: هُوَ مُؤْمِنٌ أَو كَافِرٌ، وَالْكُفْرُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّكْذِيبِ؛ بَل لَو قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ إنَّك صَادِقٌ، لَكِنْ لَا أَتَّبِعُك؛ بَل أُعَادِيك، وَأُبْغِضُك، وَأُخَالِفُك، وَلَا أُوَافِقُك: لَكَانَ كُفْرُهُ أَعْظَمَ، فَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ الْمُقَابِلُ لِلْإِيمَانِ لَيْسَ هُوَ التَّكْذِيبَ فَقَط: عُلِمَ أنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ هُوَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ؛ بَل إذَا كَانَ الْكُفْرُ يَكُونُ تَكْذِيبًا، ويكُونُ مُخَالَفَةً وَمُعَادَاةً وَامْتِنَاعًا بِلَا تَكْذِيبٍ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ تَصْدِيقًا مَعَ مُوَافَقَةٍ وَمُوَالَاةٍ وَانْقِيَادٍ، لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ، فَيَكُونُ الْإسْلَامُ جُزْءَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ، كَمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِن الِانْقِيَادِ مَعَ التَّصْدِيقِ جُزْءَ مُسَمَّى الْكُفْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُؤمِنٍ مُسْلِمًا مُنْقَادًا لِلْأَمْرِ، وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ.
وَأَمّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فَيُقَالُ: إنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ مُرَادِفٌ لِلتَّصْدِيقِ فَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ أَو اللِّسَانِ عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا. الْمَنْعُ؛ بَل الْأفْعَالُ تُسَمَّى تَصْدِيقًا؛ كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَن النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا السَّمْعُ، وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْمَشْيُ، وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute