وَيَشْتَهي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَو يُكَذِّبُهُ" (١).
وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَطَوَائِفُ مِن السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: إذَا كَانَ أَصْلُهُ التَّصْدِيقَ فَهُوَ تَصْدِيق مَخْصُوصٌ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ، وَالْحَجَّ قَصْدٌ مَخْصُوصٌ، وَالصِّيَامَ إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ، وَهَذَا التَّصْدِيقُ لَهُ لَوَازِمُ: صَارَتْ لَوَازِمُهُ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّاهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ فَإِنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ، وَيَبْقَى النِّزَاعُ لَفْظِيًّا: هَل الْإِيمَانُ دَالٌّ عَلَى الْعَمَلِ بِالتَّضَمُّنِ أَو بِاللُّزُومِ؟
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ أَكْثَرَ التَّنَازُعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، وَإِلَّا فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ مِن الْفُقَهَاءِ -كَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَن قَالَ ذَلِكَ، وَمَن اتَّبَعَهُ مِن أَهْلِ الْكوفَةِ وَغَيْرِهِمْ- مُتَّفِقُونَ مَعَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَ أَصْحَابَ الذُّنُوبِ دَاخِلُونَ تَحْتَ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ، وَإِن قَالُوا: إنَّ إيمَانَهُم كَامِلٌ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ، فَهُم يَقُولُونَ: إنَّ الْإِيمَانَ بِدُونِ الْعَمَلِ الْمَفْرُوضِ وَمَعَ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ يَكُونُ صَاحِبُهُ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ؛ كَمَا تَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ.
وَيَقُولُونَ أَيْضًا: بِأنَّ مِن أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَن يَدْخُلُ النَّارَ كَمَا تَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ.
وَاَلَّذِينَ يَنْفُونَ عَن الْفَاسِقِ اسْمَ الْإِيمَانِ مِن أَهْلِ السنَّةِ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ.
فَلَيْسَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ نِزَاعٌ فِي أَصْحَاب الذُّنُوب إذَا كَانوا مُقِرِّينَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُم مِن أهْلِ الْوَعِيدِ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ
(١) اللفظ لأحمد (٨٥٢٦)، والذي عند البخاري (٦٦١٢)، ومسلم (٢٦٥٧)، بلفظ: "إِن اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزنى العَيْنِ النَّظَرُ، وَزنى اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أو يُكَذِّبُهُ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute