للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَن قَالَ مِن الصَّحَابَةِ عَن الْمُصَلِّي الْعَابِثِ: لَو خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ (١).

فَلَا بُدَّ فِي إيمَانِ الْقَلْبِ مِن حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] فَوَصَفَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَنَّهُم اشَدُّ حُبًّا للهِ مِن الْمُشْرِكِينَ لِأَنْدَادِهِمْ.

وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ:

- قِيلَ: يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللهَ، وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ مِنْهُم لِأَوْثَانِهِمْ.

- وَقِيلَ: يُحِبُّونَهُم كَمَا يُحِبُّونَ اللهَ، وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَإنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحِبُّونَ الْأَنْدَادَ مِثْل مَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ للهِ.

وَتَسْتَلْزِمُ (٢) الْإِرَادَةَ، وَالْإِرَادَةُ التَّامَّةُ مَعَ الْقُدْرَةِ تَسْتَلْزِمُ الْفِعْلَ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ


(١) وبهذا يتبتن أنّ صلاح القلب والسريرة أولى بالعناية من الأعمال الظاهرة، ومتى وجد الأنسان ضعفًا في عمله وهمّته فليُصلح قلبه يصلُح له عملُه.
والله تعالى قدَّم في كتابه الإيمان وأعمالَ القلوب، على أعمال الجوارح، كما فى قولِه تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة: ٢، ٣].
وقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)} [الحج: ٣٤، ٣٥].
وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [الأنفال: ٢، ٣].
وقد تكرر في القرآن في عشرات المواضع قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [يونس: ٤].
ففي هذه المواضع وغيرِها قدَّم الله تعالى أعمال القلوب على أعمال الجوارح، وما ذاك إلا لأهميّتها ووجوبِ العنايعة بها.
فما بال الكثير منَ الناس يُقَدِّم ما أخره الله؟ ويُؤخر ما قدمه؟
(٢) أي: محبةُ اللهِ وَرَسُولِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>