يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُحِبًا للهِ وَرَسُولِهِ، مُرِيدًا لِمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ إرَادَةً جَازِمَةً، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ: وَهُوَ لَا يَفْعَلُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَكَلَّم الْإِنْسَانُ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ.
وَمِن هُنَا يَظْهَرُ خَطَأ قَوْلِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَن اتَّبَعَة، حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ مجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَعِلْمِهِ، لَمْ يَجْعَلُوا أَعْمَالَ الْقَلْبِ مِن الْإِيمَانِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَد يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُؤْمِنًا كَامِلَ الْإِيمَانِ بِقَلْبِهِ وَهُوَ مَعَ هَذَا يَسُبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُعَادِي اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُعَادِي أَوْليَاءَ اللهِ، ويُوَالِي أَعْدَاءَ اللهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْكُفَّارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَمَارَةٌ عَلَى الْكُفْرِ لِيُحْكَمَ بِالظَّاهِرِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ أَنَّهُ أَفْسَدُ قَوْلٍ قِيلَ فِي الْإِيمَانِ فَقَد ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُرْجِئَةِ.
وَقَد كَفَّرَ السَّلَفُ -كَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ- مَن يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالُوا: إبْلِيسُ كَافِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كُفْرُهُ بِاسْتِكْبَارِهِ وَامْتِنَاعِهِ عَن السُّجودِ لِآدَمَ، لَا لِكَوْنِهِ كَذَّبَ خَبَرًا.
قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (٥٢)} [المائدة: ٥١، ٥٢].
وَالْمُفَسِّرُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْمٍ مِمَن كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَفِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، خَافَ أَنْ يُغْلبَ أَهْل الْإِسْلَامِ، فَيُوَالِي الْكُفَّارَ مِن الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ؛ لِلْخَوْفِ الذِي فِي قُلُوبِهِمْ، لَا لِاعْتِقَادِهِمْ أنَّ مُحَمَّدًا كَاذِبٌ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى صَادِقُونَ، وَأَشْهَرُ النُّقُولِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عبادة بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ لِي مَوَالِيَ مِن الْيَهُودِ، وَإِنّي أَبْرَأُ إلَى اللهِ مِن وِلَايَةِ يَهُودَ، فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute