وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط، وكذا الحج؛ لأن الصلاة ورمضان أعظم منه. اهـ. فالشيخ له قولان في المسألة. قال الحافظ ابن رجب رحمهُ اللهُ: الأظهر -والله أعلم- في هذه المسألة -أعني: مسألة تكفير الكبائر بالأعمال- أنه أريد أن الكبائر تمحى بمجرد الإتيان بالفرائض، وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تكفر الصغائر باجتناب الكبائر، فهذا باطل. وإن أريد أنه قد يوازن يوم القيامة بين الكبائر وبين بعض الأعمال، فتمحى الكبيرة بما يقابلها من العمل، ويسقط العمل، فلا يبقى له ثواب، فهذا قد يقع. وقال: وذهب قوم من أهل الحديث وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر، ومنهم ابن حزم الظاهري. ووقع مثله في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر، قال: يرجى لمن قامها أن يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها. فإن كان مرادهم أن من أتى بفرائض الإسلام وهو مصر على الكبائر تغفر له الكبائر قطعًا: فهذا باطل قطعًا، يُعلم بالضرورة من الدين بطلانه. وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان: وإن أراد هذا القائل أَن من ترك الأصرار على الكبائر، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه، كفرت ذنوبه كلها بذلك، واستدل بظاهر قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)} [النساء: ٣١]، وقال: السيئات تشمل الكبائر والصغائر، وكما أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نية، فكذلك الكبائر، وقد يستدل لذلك بأن الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وتكفير السيئات، وهذا مذكور في غير موضع من القرآن، وقد صار هذا من المتقين، فإنه فعل الفرائض، واجتنب الكبائر، واجتناب الكبائر لا يحتاج إلى نية وقصد: فهذا القول يمكن أن يقال في الجملة. والصحيح قول الجمهور: أن الكبائر لا تكفر بدون التوبة؛ لأن التوبة فرض على العباد، وقد قال عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [لحجرات: ١١]، وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم، ومنهم من فسرها بالعزم على أن لا يعود، وقد روي ذلك مرفوعًا من وجه فيه ضعف، لكن لا يُعلم مخالف من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومن بعدهم، كعمر بن عبد العزيز، والحسن وغيرهما. جامع العلوم والحكم (٤٢٩ - ٤٣٨).