للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَفْعَالِهِمْ بِالتَّسْلِيمِ لِلْقَدَرِ، وَشُهُودِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: ١١]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَو غَيْرُهُ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِن عِنْدِ اللهِ فَيَرْضَا وَيُسَلِّمُ.

وَفِي "الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ" (١) عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ (٢) خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِن أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَو أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

فَأَمَرَهُ بِالْحِرْصِ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ طَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَلَيْسَ لِلْعِبَادِ أَنْفَعُ مِن طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمْرِهِ إذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ مُقَدَّرَةٌ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى الْقَدَرِ، وَلَا يَتَحَسَّرَ بِتَقْدِيرٍ لَا يُفِيدُ، وَيَقُولَ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وَلَا يَقُولَ: لَو أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا، فَيُقَدِّرُ مَا لَمْ يَقَعْ، يَتَمَنَّى أَنْ لَو كَانَ وَقَعَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُورِثُ حَسْرَةً وَحُزنى لَا يُفِيدُ، وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَدَرِ هُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُ.

كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَمْرُ أَمْرَانِ:

أ- أَمْرٌ فِيهِ حِيلَةٌ فَلَا تَعْجِزُ عَنْهُ.

ب- وَأَمْرٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ فَلَا تَجْزَعْ مِنْهُ.

وَمَا زَالَ أَئِمَّةُ الْهُدَى مِن الشُّيُوخِ وَغَيْرِهِمْ يُوصُونَ الْإِنْسَانَ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ، وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ، وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ، وَإِن كَانَت تِلْكَ الْمُصِيبَةُ بِسَبَبِ فِعْلِ آدَمِيٍّ (٣).


(١) رواه مسلم (٢٦٦٤).
(٢) يشمل قوة البدن والإيمان والهمة.
(٣) أكثر الناس يرون أنّ النعم التي تستحق الشكر والحمد: ما فيها نفعٌ وخيرٌ عاجل، ويرون كذلك أن المصائبَ التي يُقَدِّرها الله تعالى على العبد مِمَّا ليس لبشرٍ فيها سببٌ هي التي يُصبر عليها، ويُرضى بتفدير الله لها، ولا تَجْزَعُ النفوسُ بها؛ لأنها مما قدره الله تعالى، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢]. =

<<  <  ج: ص:  >  >>