للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَو أَنَّ رَجُلًا أَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يُخْلِفْ لِوَلَدِهِ مَالًا، أَو ظَلَمَ النَّاسَ بِظُلْم صَارُوا لِأَجْلِهِ يُبْغِضُونَ أَوْلَادَهُ، وَيَحْرِمُونَهُم مَا يُعْطُونَهُ لِأَمْثَالِهِمْ: لَكَانَ هَذَا مُصِيبَةً فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ حَصَلَتْ بِسَبَبِ فِعْلِ الْأَبِ.

فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُم لِأَبِيهِ: أَنْتَ فَعَلْت بِنَا هَذَا؟

قِيلَ لِلِابْنِ: هَذَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ مَأمُورُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُصِيبُكُمْ، وَالْأَبُ عَاصٍ للهِ فِيمَا فَعَلَهُ مِن الظُّلْمِ وَالتَّبْذِيرِ، مَلُومٌ عَلَى ذَلِكَ، لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ ذَمُّ اللهِ وَعِقَابُهُ بِالْقَدَرِ السَّابِقِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَد تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا وَتَابَ اللهُ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ: لَمْ يَجُزْ ذَمُّهُ وَلَا لَوْمُهُ بحَال، لَا مِن جِهَةِ حَقِّ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَد غَفَرَ لَهُ، وَلَا مِن جِهَةِ الْمُصِيبَةِ الًّتِي حَصَلَتْ لِغَيْرِهِ بِفِعْلِهِ؛ إذ لَمْ يَكُن هُوَ ظَالِمًا لِأُولَئِكَ؛ فَإِنَّ تِلْكَ كَانَت مُقَدَّرَةً عَلَيْهِمْ.

وَهَذَا مِثَالُ قِصَّةِ آدَم: فَإِنَّ آدمَ لَمْ يَظْلِمْ أَوْلَادَهُ؛ بَل إنَّمَا وُلدُوا بَعْدَ هُبُوطِهِ مِن الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا هَبَطَ آدمَ وَحَوَّاءُ، وَلَمْ يَكُن مَعَهُمَا وَلَدٌ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ ذَنْبَهُمَا تَعَدَّى إلَى وَلَدِهِمَا، ثُمَّ بَعْدَ هُبُوطِهِمَا إلَى الْأَرْضِ جَاءَت الْأَوْلَادُ، فَلَمْ يَكُن آدَم قَد ظَلَمَ أَوْلَادَهُ ظُلْمًا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ مَلَامَهُ، وَكَوْنُهُم صَارُوا فِي الدُّنْيَا دُونَ الْجَنَّةِ أَمْرٌ كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيْهِمْ، لَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَوْمَ آدَمَ، وَذَنَبُ آدَمَ كَانَ قَد تَابَ مِنْهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: ١٢١، ١٢٢]، فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحِقًّا لِذَمّ وَلَا عِقَابٍ.

وَمُوسَى كَانَ أَعْلَمَ مِن أَنْ يَلُومَة لِحَقِّ اللهِ عَلَى ذَنَبٍ قَد عَلِمَ أَنَّهُ تَابَ مِنْهُ،


= ويبقى السؤال الكبير: هل استشعرنا أنّ المصائب والمحن التي تأتينا من الناس؛ كالأقارب والأصدقاء وغيرهم، هي نعمٌ تستحق الشكر، أو هي مثلُ التي يُقدرها الله تعالى علينا، مما ليس لبشر فيه سببٌ؛ كالجوع والمرض ونحوها؟
إنّ المصائب التي يقدرها الله تعالى علينا، قد يُجريها على أيدي الناس، وقد ئجريها على غيرهم، فلماذا لا نصبر على جميع هذه المصائب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>