للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قِيَاسٌ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، وَلَكِنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ عَلَى الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا: فَقَوْلُهُم مُخَالِفٌ لِقَوْلِ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَل وَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ؛ فَاِنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ كَمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. [٩/ ١١٧]

٦٥٩ - تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُسَمَّى الْقِيَاسِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِن أَهْلِ الْأُصُولِ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي قِيَاسِ التَّمْثِيلِ (١) مَجَازٌ فِي قِيَاسِ الشُّمُولِ؛ كَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ المقدسي.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَل هُوَ بِالْعَكْسِ حَقِيقَةٌ فِي الشُّمُولِ مَجَازٌ فِي التَّمْثِيلِ؛ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: بَل هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَالْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ مَن تَكلَّمَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَأَنْوَاعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ صُورَةُ الِاسْتِدْلَالِ.

وَالْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ: تَقْدِيرُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ تَقْدِيرَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ بِنَظِيرِهِ الْمُعَيَّنِ، وَتَقْدِيرَهُ بِالْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ وَلأَمْثَالِهِ؛ فَإِنَّ الْكُلِّيَّ هُوَ مِثَالٌ فِي الذِّهْنِ لِجُزْئِيَّاتِهِ؛ وَلهَذَا كَانَ مُطَابِقًا مُوَافِقًا لَهُ.

وَقِيَاسُ الشُّمُولِ: هُوَ انْتِقَالُ الذِّهْنِ مِن الْمُعَيَّنِ إلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ، الْمُتَنَاوِلِ لَهُ وَلغَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرَكَ الْكُليَّ، بِأَنْ يَنْتَقِلَ مِن ذَلِكَ الْكُلِّيِّ اللَّازِمِ إلَى الْمَلْزُومِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعَيَّنُ.

فَهُوَ انْتِقَالٌ مِن خَاصٍّ إلَى عَامٍّ، ثمَّ انْتِقَالٌ مِن ذَلِكَ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ،


(١) قال الشيخ: قيَاسُ التَّمْثِيلِ: هُوَ الْحُكْمُ عَلَى شَيْءٍ بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ بِنَاءً عَلَى جَامِعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا. (٩/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>