حَتَّى مُشْرِكو الْعَرَبِ كَانَ عِنْدَهُم بَقَايَا مِن دِينِ إبْرَاهِيمَ، فَكَانُوا خَيْرًا مِن الْفَلَاسِفَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُوَافِقُونَ أَرسْطُو وَأَمْثَالَهُ عَلَى أُصُولِهِمْ. [٩/ ١٣٧ - ١٣٨]
٦٦٥ - إِذَا اتَّسَعَت الْعُقُولُ وَتَصَوُّرَاتُهَا: اتَّسَعَتْ عِبَارَاتُهَا، وَإِذَا ضَاقَت الْعُقُولُ وَالْعِبَارَاتُ وَالتَّصَوُّرَاتُ بَقِيَ صَاحِبُهَا كَأَنَّهُ مَحْبُوسُ الْعَقْلِ وَاللِّسَانِ، كَمَا يُصِيبُ أَهْلَ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ، تَجِدُهُم مِن أَضْيَقِ النَّاسِ عِلْمًا وَبَيَانًا، وَأَعْجَزِهِمْ تَصَوُّرًا وَتَعْبِيرًا.
وَلهَذَا مَن كَانَ ذَكِيًّا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْعُلُومِ وَسَلَكَ مَسْلَكَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ: طَوَّلَ وَضَيَّقَ، وَتَكَلَّفَ وَتَعَسَّفَ، وَغَايَتُهُ بَيَانُ الْبَيِّنِ، وَإِيضَاحُ الْوَاضِحِ مِن الْعِيِّ، وَقَد يُوقِعُهُ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعٍ مِن السَّفْسَطَهِ الَّتي عَافَى اللهُ مِنْهَا مَن لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقَهُمْ.
وَكَذَلِكَ تَكَلُّفَاتُهُم فِي حُدُودِهِمْ: مِثْل حَدِّهِمْ لِلْإِنْسَانِ وَللشَّمْسِ بِأَنَّهَا كَوْكَبٌ يَطْلُعُ نَهَارًا، وَهَل مَن يَحُدُّ (١) الشَّمْسَ مِثْل هَذَا الْحَدِّ وَنَحْوَهُ إلَّا مِن أَجْهَلِ النَّاسِ؟
وَهَل عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ أَظْهَرُ مِن الشَّمْسِ؟ وَمَن لَمْ يَعْرِف الشَّمْسَ فَإِمَّا أَنْ يَجْهَلَ اللَّفْظَ فَيُتَرْجَمَ لَهُ.
وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ رَآهَا لِعَمَاهُ فَهَذَا لَا يَرَى النَّهَارَ وَلَا الْكَوَاكِبَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ مِن النَّاسِ مَا يعَرفُ ذَلِكَ بِدُونِ طَرِيقِهِمْ. [٩/ ١٥٨ - ١٥٩]
٦٦٦ - وَلهَذَا كَانَ تَعَلُّمُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَلَيْهَا فَرضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْمَنْطِقِ.
فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ لَا نَقُولُ إنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيّينَ؛ بَل إلَى الْمَعَانِي الَّتِي تُوزَنُ بِهَا الْعُلُومُ.
(١) في الأصل: (يَجِدُ)، والمثبت من كتاب: الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام، وهو أصل هذه المادة التي لخصها السيوطي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute