قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْمَعْلُومَاتِ، وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَزِنُوا مَا جَهِلُوهُ بمَا عَلِمُوهُ، وَهَذَا مِن الْمَوَازِينِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ حَيْثُ قَالَ: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧].
وَفَالَ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: ٢٥].
وَهَذَا مَوْجُود عِنْدَ أُمَّتِنَا وَغَيْرِ أُمَّتِنَا، مِمَن لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ بِمَنْطِقِ الْيُونَانِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأُمَمَ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى الْمَعَانِي الْمَنْطِقِيَّةِ الَّتِي عَبَّرُوا عَنْهَا بِلِسَانِهِمْ، وَهُوَ كَلَامُهُم فِي الْمَعْقُولَاتِ الثَّانِيَةِ.
فَإِنَّ مَوْضُوعَ الْمَنْطِقِ: هُوَ الْمَعْقُولَاتُ مِن حَيْثُ ئتَوَصَّل بِهَا إلَى عِلْمِ مَا لَمْ يُعْلَمْ (١). [٩/ ١٧١ - ١٧٢]
٦٦٧ - كَلَامُنَا هُنَا فِي بَيَانِ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ يَبْنُونَ ضَلَالَهُم بِضَلَالِ غَيْرِهِمْ، فَيَتَعَلَّقُونَ بِالْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَبِالْجَهْلِ فِي الْمَعْقُولَاتِ؛ كَقَوْلِهِمْ: إنَّ أَرِسْطُو وَزِيرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ وَزِيرَ الْإِسْكَنْدَرِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْإِسْكَنْدَرُ.
وَهَذَا مِن جَهْلِهِمْ؛ فَإِنَّ الْإِسْكنْدَرَ الَّذِي وُزِرَ لَهُ أَرِسْطُو هُوَ ابْنُ فَيَلْبَس الْمَقْدُونيِّ، الَّذِي يُؤَرَّخُ لَهُ تَارِيخُ الرُّومِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَرْضِ الْقُدْسِ، لَمْ يَصِلْ إلَى السَّدِّ عِنْدَ مَن يَعْرِفُ أَخْبَارَهُ، وَكَانَ مُشْرِكًا يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ.
وَكَذَلِكَ أَرِسْطُو وَقَوْمُهُ كَانُوا مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَ مُوَحِّدًا مُؤْمِنًا بِاللهِ، وَكَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى هَذَا، وَمَن يُسَمِّيهِ الْإِسْكَنْدَرَ يَقُولُ: هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ دَارا.
وَلهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ إنَّمَا رَاجُو عَلَى أَبْعَدِ النَّاسِ عَن الْعَقْلِ
(١) هذا هو موضوع هذا الفن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute