حَادِثٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُن مُتَكَلِّمًا بِكَلَام؛ بَل مَا زَالَ عِنْدَهُم قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ، وَهُوَ عِنْدَهُم لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ، وَإِلَّا فَوُجُودُ الْكَلَامِ عِنْدَهُم فِي الْأَزَلِ مُمْتَنِعٌ كَوُجُودِ الْأَفْعَالِ عِنْدَهُم وَعِنْدَ مَن وَافَقَهُم مَن أَهْلِ الْكَلَامِ؛ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ.
وَهُم يَقُولُونَ: إنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ حَادِثَةٌ بِذَاتِ الرَّبِّ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
وَلَا يَقُولُونَ: إنَّ الْأَصْوَاتَ الْمَسْمُوعَةَ وَالْمِدَادَ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ قَدِيمٌ؛ بَل يَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ.
الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَئِمَّتِهِمْ: إنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِصَوْت كَمَا جَاءَت بِهِ الْآثَارُ، وَالْقُرْآنُ وَغَيْرُهُ مِن الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كَلَامُ اللهِ تَكَلَّمَ اللهُ بِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ، لَيْسَ بِبَائِنٍ عَنْهُ مَخْلُوقًا، وَلَا يَقُولُونَ إنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُن مُتَكَلِّمًا، وَلَا أَنَّ كَلَامَ اللهِ تَعَالَى مِن حَيْثُ هُوَ هُوَ حَادِثٌ؛ بَل مَا زَالَ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَإِن كَانَ كلَّمَ مُوسَى وَنَادَاهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَكَلَامُهُ لَا يَنْفَدُ.
والْجَهْمِيَّة يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا خَلَقَ شَيْئًا فَعُبِّرَ عَنْهُ.
وَمِنْهُم قَالَ: إنَهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَام يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَأَمَّا الكَرَّامِيَة فَتَقُولُ: إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِهِ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، وَيقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ حَادِثٌ قَائِمٌ بِهِ وَهُم لَيْسُوا مِن الْجَهْمِيَّة؛ بَل يَرُدُّونَ عَلَيْهِم أَعْظَمَ الرَّدِّ، وَهُم أَعْظَمُ مُبَايَنَةً لَهُم مِن الْأشْعَرِيَّةِ، وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ الْقُرْآنَ حَادِثٌ فِي ذَاتِ اللهِ.
ثُمَّ مِن هَؤُلَاءِ مَن يَقُولُ: إنَّ كَلَامَ اللهِ كُلَّهُ حَادِثٌ، وَمِنْهُم مَن لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْرُوفٌ عَن دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الأصبهاني؛ بَل وَالْبُخَارِيُّ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute