للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُ، وَطَوَائِفُ كَثِيرَةٌ يُذْكَرُ عَنْهُم هَذَا، فَلَيْسَ كُلُّ مَن قَالَ: إنَّهُ حَادِثٌ كَانَ مِن الْجَهْمِيَّة، وَلَا يَقُولُ إنَّهُ مَخْلُوقٌ. [١٢/ ١٦٣ - ١٧٧]

٧١٢ - كُلُّ مَن أَثْبَتَ للهِ مَا نَفَاهُ عَن نَفْسِهِ، أَو نَفَى عَن اللهِ مَا أَثْبَتَه لِنَفْسِهِ مِن الْمُعَطِّلَةِ وَالْمُمَثِّلَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَق، وَذَلِكَ مِمَّا زَجَرَ الله عَنْهُ.

وَأَمَّا تَكْفِيرُ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَا بُدَّ مِن التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ عَدَمِ ضَبْطِهِ اضْطَرَبَتِ الْأُمَّةُ اضْطِرَابًا كَثِيرًا فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، كَمَا اضْطَرَبُوا قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي سَلْبِ الْإِيمَانِ عَن أَهْلِ الْفُجُورِ وَالْكَبَائِرِ، وَصَارَ كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ مِثْلُ: الْخَوَارجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّة وَالْمُمَثِّلَةِ يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا هُوَ ضَلَالٌ، يَرَوْنَهُ هُوَ الْحَقَّ، وَيَرَوْنَ كُفْرَ مَن خَالَفَهُم فِي ذَلِكَ، فَيَصِيرُ فِيهِمْ شَوْبٌ قَوِيٌّ مِن أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُفْرِهِمْ بِالْحَقِّ وَظُلْمِهِمْ لِلْخَلْقِ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَفِّرِينَ يُكَفِّرُ بِالْمُقَالَةِ الَّتِي لَا تُفْهَمُ حَقِيقَتُهَا وَلَا تُعْرَفُ حُجَّتُهَا.

وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُكَفّرِينَ بِالْبَاطِلِ أَقْوَامٌ لَا يَعْرِفُونَ اعْتِقَادَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَمَا يَجِبُ، أَو يَعْرِفُونَ بَعْضَهُ وَيَجْهَلُونَ بَعْضَهُ، وَمَا عَرَفُوهُ مِنْهُ قَد لَا يُبَيِّنُونَهُ لِلنَّاسِ بَل يَكْتُمُونَهُ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَن الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَذُمُّونَ أَهْلَ الْبِدَعِ ويُعَاقِبُونَهُم؛ بَل لَعَلَّهُم يَذُمُّونَ الْكَلَامَ فِي السُّنَّةِ وَأُصُولِ الدِّينِ ذَمًّا مُطْلَقًا، لَا يُفَرّقُونَ فِيهِ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ، أَو يُقِرُّونَ الْجَمِيعَ عَلَى مَذَاهِبِهِم الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا يُقَرُّ الْعُلَمَاءُ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا النِّزَاعُ.

وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ قَد تَغْلِبُ عَلَى كَثِيرٍ مِن الْمُرْجِئَةِ وَبَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ والمتفلسفة، كَمَا تَغْلِبُ الْأُولَى عَلَى كَثِيرٍ مِن أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْكَلَامِ، وَكِلَا هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ مُنْحَرِفَةٌ خَارِجَةٌ عَن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ بَيَانُ مَا بَعَثَ اللهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَتَبْلِيغُ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>