فَأَمَّا إنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِن الشِّرْعَةِ لَا مِن الْبِدْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِن كَانَ قَد فُعلَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا عُرفَ مِن أَمْرِهِ؛ كَإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَعْدَ مَوْتِهِ، وَجَمْعِ الْمُصْحَفِ، وَجَمْعِ النَّاسِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الَّذِي أَمَرَ بِذَلِكَ وَإِن سَمَّاهُ بِدْعَةً، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ فِي اللُّغَةِ، إذ كُلُّ أَمْرٍ فُعِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ مُتَقَدِّمٍ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بِدْعَةً، وَلَيْسَ مِمَّا تُسَمِّيه الشَّرِيعَةُ بِدْعَةً، وَيُنْهَى عَنْهُ، فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِم مِن "صَحِيحِهِ" (١) عَن جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: "إنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأمورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". [٣١/ ٣٦]
٧٨٨ - قَرَّرْنَا فِي قَاعِدَةِ "السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ": أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الدِّينِ هِيَ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ.
فَأَمَّا مَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَو اسْتِحْبَابٍ وَعُلِمَ الْأَمْرُ بِهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: فَهُوَ مِن الدِّينِ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ، وَإِن تَنَازَعَ أُولُو الْأَمْرِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ.
وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا مَفْعُولًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَو لَمْ يَكنْ، فَمَا فُعِل بَعْدَهُ بِأَمْرِهِ - مِن قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِج الْمَارِقِينَ وَفَارِسَ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَير ذَلِكَ - هُوَ مِن سُنَّتِهِ.
فَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ: هِيَ مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُفَصَّلَةٌ. [٤/ ١٠٨]
٧٨٩ - قال أئمة الإسلام، كسفيان الثوري وغيره: إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يُتاب منها، والمعصية يُتاب منها.
(١) (٨٦٧)، ورواه البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (٧٢٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute