للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ" (١).

وَشَوَاهِدُ هَذَا "الْأَصْلِ الْعَظِيمِ الْجَامِعِ"، مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكُتُبِ: "كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ"، كَمَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ والبغوي وَغَيْرُهُمَا.

فَمَن اعْتَصَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مِن أَوْليَاءِ اللهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ.

وَكَانَ السَّلَفُ - كَمَالِك وَغَيْرِهِ -: يَقولُونَ: السُّنَّةُ كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَن رَكِبَهَا نَجَا، وَمَن تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ مَن مَضَى مِن عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ.

إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَعْلُومٌ أَنَّمَا يَهْدِي اللهُ بِهِ الضَّالِّينَ وُيرْشِدُ بِهِ الْغَاوِينَ وَيتُوبُ بِهِ عَلَى الْعَاصِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَا بَعَثَ اللهُ بِهِ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ لَكَانَ دِينُ الرَّسُولِ نَاقِصًا مُحْتَاجًا تَتِمَّةً.

وَينْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ أَمَرَ اللهُ بِهَا أَمْرَ إيجَابٍ أَو اسْتِحْبَابٍ، وَالْأعْمَالُ الْفَاسدَةُ نَهَى اللهُ عَنْهَا، وَالْعَمَلُ إذ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ فَإِنَّ الشَّارعَ حَكيمٌ، فَإِنْ غَلَبَتْ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَفْسَدَتِهِ شَرَعَهُ وَإِن غَلَبَتْ مَفْسَدَتُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُشَرِّعْهُ بَل نَهَى عَنْهُ.

وَهَكَذَا مَا يَرَاهُ النَّاسُ مِن الْأَعْمَالِ مُقَرِّبًا إلَى اللهِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِن نَفْعِهِ، وَإِلَّا فَلَو كَانَ نَفْعُهُ أَعْظَمَ غَالِبًا عَلَى ضَرَرِهِ لَمْ يُهْمِلْة الشَّارعُ؛ فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - حَكِيمٌ لَا يُهْمِلُ مَصَالِحَ الدِّينِ، وَلَا يُفَوِّتُ الْمُؤْمِيينَ مَا يُقَرِّبُهُم إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.


(١) رواه الإمام أحمد (١٧١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>