للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨١٢ - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَن جَمَاعَةٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَصْدِ الْكَبَائِرِ مِن الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ شَيْخًا مِن الْمَشَايخ الْمَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ قَصَدَ مَنْعَ الْمَذْكُورِينَ مِن ذَلِكَ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلًّا أَنْ يُقِيمَ لَهُم سَمَاعًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَهُوَ بِدُفٍّ بِلَا صَلَاصِلَ، وَغِنَاءِ الْمُغَنِّي بِشِعْرٍ مُبَاحٍ بِغَيْرِ شَبَّابَةٍ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَابَ مِنْهُم جَمَاعَةٌ، وَأَصْبَحَ مَن لَا يُصَلِّي وَيسْرِقُ وَلَا يُزَكِّي يَتَوَرَّعُ عَن الشُّبُهَاتِ وُيؤَدِّي الْمَفْرُوضَاتِ وَيجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ.

فَهَل يُبَاحُ فِعْلُ هَذَا السَّمَاع لِهَذَا الشَّيْخ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِن الْمَصَالِحِ؟ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَعوَتُهُم إلَّا بِهَذَا؟

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَصْلُ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْألَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، وَأَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].

وَثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا


= وَلَمَّا انْتَثَرَ بِأَيْدِي الْخَلَفِ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَنُكِثَ ذَلِكَ الْعَهْدُ، صِرْنَا مُحْتَاجِينَ إِلَى تَأَلِيفِ جَمْعِيَّاتٍ خَاصَّةٍ بِنِظَامٍ خَاصٍّ لِأجْلِ جَمْعِ طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحَمْلِهِمْ عَلَى إِقَامَةِ هَذَا الْوَاجِبِ: التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي أَيِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أو عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، وَقَلَّمَا تَرَى أَحَدًا فِي هَذَا الْعَصْرِيُعِينُكَ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْبِرِّ، مَا لَمْ يَكُن مُرْتَبِطًا مَعَكَ فِي جَمْعِيَّةٍ أُلِّفَتْ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لَا يَفِي لَكَ بِهَذَا كُلُّ مَن يُعَاهِدُكَ عَلَى الْوَفَاءِ، فَهَل تَرْجُو أَنْ يُعِينَكَ عَلَى غَيْرِ مَا عَاهَدَكَ عَلَيْهِ؟
فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَأْلِيفَ الْجَمْعِيَّاتِ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ هَذَا الْأَمْرِ، وَإِقَامَةُ هَذَا الْوَاجِبِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ تَأْلِيفِ الْجَمْعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ، إِذَا كُنَا نُرِيدُ أنْ نَحْيَا حَيَاةً عَزِيزَةً، فَعَلَى أَهْلِ الْغَيْرَةِ وَالنَّجْدَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْنَوْا بِهَذَا كُلَّ الْعِنَايَةِ، وَإِن رَأوْا كُتُبَ التَّفْسِيرِ لَمْ تُعْنَ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَمْ تُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهَا دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرِقِ وَأَقْصَدِهَا لِأِصْلَاحِ شَأْنِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. اهـ. تفسير المنار (٦/ ١١١ - ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>