للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة: ٧٨]؛ أيْ: غَيْرُ عَارِفِينَ بِمَعَانِي الْكِتَابِ يَعْلَمُونَهَا حِفْظًا وَقِرَاءَةً بِلَا فَهْمٍ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَمَانِيَّ}؛ أَيْ: تِلَاوَةً، فَهُم لَا يَعْلَمُونَ فِقْهَ الْكتَابِ، إنَّمَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا يَسْمَغونَهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالزَّجَّاجُ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: تِلَاوَةً وَقِرَاءَةً عَن ظَهْرِ الْقَلْبِ، وَلَا يَقْرَءُونَهَا فِي الْكُتُبِ.

فَفِي هَذَا الْقَوْلِ جَعْلُ الْأمَانِيِّ الَّتِي هِيَ التِّلَاوَةُ تِلَاوَةَ الْأمِّيِّينَ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ جَعْلُهُ مَا يَسْمَعُونَهُ مِن تِلَاوَةِ عُلَمَائِهِمْ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ وَالْآيَةُ تَعُمُّهُمَا، فَإنَّهُ سبحانه وتعالى قَالَ: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ}، لَمْ يَقُلْ لَا يَقْرَءُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، ثُمَّ قَالَ: {إِلَّا أَمَانِيَّ}، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (١).

وَالْأمِّيُّونَ نِسْبَةً إلَى الْأمَّة، قَالَ بَعْضُهُمْ: إلَى الْأمَّةِ وَمَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، فَمَعْنَى الْأمِّيِّ: الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ.

وَيُقَالُ: الْأمِّيُّ لِمَن لَا يَقْرَأ وَلَا يَكْتُبُ كِتَابًا، ثُمَّ يُقَالُ لِمَن لَيْسَ لَهُم كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنَ اللهِ يَقْرَءُونَهُ، وإِن كَانَ قَد يَكْتُبُ وَيقْرَأ مَا لَمْ يُنَزَّلْ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الْعَرَبُ كُلُّهُم أُمِّيِّينَ، فَإنَّهُ لَمْ يَكُن عِنْدَهُم كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنَ اللهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: ٢].


= صاحِبِهِ، وَقَد مَضَى عَلَى هَذَا إِجمَاعُ الصَّدْرِ الأوَّلِ وَأهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وإنَّمَا كَانَ الْجَاهِلُ يَأْخُذُ عَنِ الْعَالِمِ العَقِيد بِبُرْهَانِهَا، وَالأحْكَامَ بِرِوَايتهَا، وَلَا يَتَقَلَّدُ رَأيَهُ كَيفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ بَينةٍ وَلَا بُرهَانٍ. اهـ. تفسير المنار (١/ ٣٤٩).
(١) لأنه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجًا من أول الكلام.
والمعنى: "لكنْ أمانىَّ".
ومنه قوله عزَّ وجلَّ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)} [الليل: ١٩، ٢٠] وقوله عزَّ وجلَّ: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧]، وقوله عزَّ وجلَّ: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا} [هود: ١١٦].
فما بعد أداة الاستثناء ليس من جنس ما قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>