للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأَمَّا حُبّ النَّاسِ لَهُ: فَإنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَجْذِبُوهُ هُم بِقُوَّتِهِمْ إلَيْهِم (١)، فَإِنْ لَمْ يَكُن فِيهِ قُوَّة يَدْفَعهُم بِهَا عَن نَفْسِهِ مِن مَحَبَّةِ اللهِ وَخَشْيَتِهِ، وَإِلَّا جَذبُوهُ وَأَخَذُوهُ إلَيْهِمْ (٢).

وَقَد يُحِبُّونَهُ لِعِلْمِهِ أَو دِينِهِ أَو إحْسَانِهِ أو غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَالْفِتْنَةُ فِي هَذَا أَعْظَمُ (٣)، إلَّا إذَا كَانَت فِيهِ قُوَّةٌ إيمَانِيَّة وَخَشْيَةٌ وَتَوْحِيدٌ تَامٌّ، فَإِنَّ فِتْنَةَ الْعِلْمِ وَالْجَاهِ وَالصُّوَرِ فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ.

وَهُم مَعَ ذَلِكَ يَطْلبُونَ مِنْهُ مَقَاصِدَهُم إنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَإِلَّا نَقَصَ الْحُبُّ، أَو حَصَلَ نَوْعُ بُغْضٍ، وَرُبَّمَا زَادَ أَو أدَّى إلَى الِانْسِلَاخِ مِن حُبِّهِ فَصَارَ مَبْغُوضًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَحْبُوبًا.

فَأَصْدِقَاءُ الْإِنْسَانِ يُحِبُّونَ اسْتِخْدَامَهُ وَاسْتِعْمَالَهُ فِي أَغْرَاضِهِمْ حَتَّى يَكونَ كَالْعَبْدِ لَهُمْ (٤).

وَأَعْدَاؤُهُ يَسْعَوْنَ فِي أَذَاهُ وإضْرَارِهِ.


(١) كالأصدقاء المقربين، فهم يجذبون صاحبهم إلى مُجالستهم، واللهو معهم، وكم خسر الكثير من طلاب العلم الخير وإلعلم بسببهم، حيث يُكثرون النزهات والاجتماعات، وهذا يُلهي طالب العلم والداعية والمصلح عن خير كثير.
وأشد من ذلك: إذا كانوا فاسدين، فإنهم يجذبونه إلى الحرام والغيبة والنميمة، والوقوع في سفاسف الأمور.
وأما إذا كان الحبُّ حبّ عشقٍ وغرام، فهذا هو الشر كلَّه، ولا يزال المحب في شقاء وعذاب، وهمّ وغمّ، فيصدّه ذلك عن دينه ودنياه.
(٢) فلن يتخلص الإنسان من فتنة الأصدقاء والمحبين إلا بقوة الإيمان، وحب الكريم المنان، الذي عرف قدره فأحبه، فأغناه حبه عن حب كل محب، وانشغل بطاعته عن الانشغال بِهِم، والأنس به عن الأنس معهم.
(٣) صدق رحمه الله، فكم أوقعت محبةُ الناس للعالم والداعية والمصلح من مفاسد، وكم صدتهم عن الصاع بالحق، وكم جرُّوه إلى مُداهنتهم ومُحاباتهم، وكم سكت عن قول حقِّ مخافة سقوطه من أعينهم.
(٤) وهذا هو الواقع غالبًا، فلا ينبغي للعاقل أنْ يُفني عمره معهم وهذه حالهم، ويُقدمهم على مصالحه وما فيه نفعه وهذه حقيقتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>