وَأُولَئِكَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ انْتِفَاعَهُمْ، وإِن كَانَ مُضِرًّا لَهُ مُفْسِدًا لِدِينِهِ، لَا يُفَكِّرُونَ فِي ذَلِكَ، وَقَلِيل مِنْهُم الشَّكُورُ.
فَالطَّائِفَتَانِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَقْصِدُونَ نَفْعَهُ وَلَا دَفْعَ ضَرَرِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ أَغْرَاضَهُم بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُن الْإِنْسَانُ عَابِذا اللهَ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُوَالِيًا لَهُ وَمُوَالِيًا فِيهِ وَمُعَادِيًا، وَإِلَّا، أَكَلَتْهُ الطَّائِفَتَانِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. [١٠/ ٦٠١ - ٦٠٣]
٨٥٨ - جُبِلَت النُّفُوسُ عَلَى حُبّ مَن أَحْسَنَ إلَيْهَا، لَكِنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مَحَبَّةُ الْإِحْسَانِ لَا نَفْسُ الْمُحْسِنِ، وَلَو قُطِعَ ذَلِكَ لَاضْمَحَلَّ ذَلِكَ الْحُبُّ، وَرُبَّمَا أَعْقَبَ بُغْضًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ للهِ عزَّ وجلَّ.
فَإِنَّ مَن أَحَبَّ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ يُعْطِيه فَمَا أَحَبّ إلَّا الْعَطَاءَ، وَمَن قَالَ: إنَّهُ يُحِبُّ مَن يُعْطِيه للهِ فَهَذَا كَذِبٌ وَمُحَالٌ وَزُوز مِن الْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ مَن أَحَبَّ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ يَنْصُرُهُ إنَّمَا أَحَبّ النَّصْرَ لَا النَّاصِرَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِن اتّبَاعِ مَا تَهْوَى الْأنْفُسُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحِبّ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِن جَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَو دَفْعِ مَضَرَّةٍ، فَهُوَ إنَّمَا أَحَبَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ، وَإِنَّمَا أَحَبّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى مَحْبُوبِهِ وَلَيْسَ هَذَا حُبًّا للهِ وَلَا لِذَاتِ الْمَحْبُوبِ.
وَعَلَى هَذَا تَجْرِي عَامَّةُ مَحَبَّةِ الْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَهَذَا لَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَنْفَعُهُمْ؛ بَل رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى النِّفَاقِ وَالْمُدَاهَنَةِ، فَكَانُوا فِي الْآخِرَةِ مِن الْأَخِلَّاءِ الَّذِينَ بَعْضُهُم لِبَعْضِ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ.
وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُم فِي الْآخِرَةِ الْحبُّ فِي اللهِ وَللهِ وَحْدَهُ، وَأَمَّا مَن يَرْجُو النَّفْعَ وَالنَّصْرَ مِن شَخْصٍ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّه يُحِبُّهُ للهِ فَهَذَا مِن دَسَائِسِ النُّفُوسِ وَنفَاقِ الْأَقْوَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute