للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْل ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وأُبيِّ بْنِ كَعْبٍ فَلَمْ يَكونُوا يَفْعَلُونَ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَصَحّ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ: "أَنْ يَفْعَلَ مِثْل مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ لِأَجْلِ أنَّه فَعَلَ" (١)، فَإِذَا قَصَدَ الصَّلَاةَ وَالْعِبَادَةَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَانَ قَصْدُ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُتَابَعَةً لَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ فَإِنَّ قَصْدَهَا يَكُونُ مُخَالَفَةً لَا مُتَابَعَةً لَهُ.

مِثَالُ الْأوَّلِ: لَمَّا قَصَدَ الْوُقُوفَ وَالذّكْرَ وَالدُّعَاءَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَبَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ كَانَ قَصْدُ تِلْكَ الْبِقَاعِ مُتَابَعَةً لَهُ.

وَكَذَلِكَ قَصْدُ إتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاء مُتَابَعَةً لَهُ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاء كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا.

وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ} [التوبة: ١٠٨]، وَكَانَ مَسْجِدُهُ هُوَ الْأَحَقَّ بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ سُئلَ عَن الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ: "هُوَ مَسْجِدِي هَذَا".

يُرِيدُ أَنَّهُ أَكْمَلُ فِي هَذَا الْوَصْفِ مِن مَسْجِدِ قُبَاء، وَمَسْجِدُ قُبَاء أَيْضًا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَبِسَبَبِهِ نَزَلَتِ الْآيَةُ؛ وَلهَذَا قَالَ: {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: ١٠٨]، وَكَانَ أَهْلُ قُبَاء مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِن جِيرَانِهِم الْيَهُودِ، وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَأَرَادَ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم- أَنْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَاكَ هُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى دُونَ مَسْجِدِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مَسْجِدَهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُؤَسَّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَوْلُه: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} يَتَنَاوَلُ مَسْجِدَهُ وَمَسْجِدَ قُبَاء ويتَنَاوَلُ كُلَّ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى بِخِلَافِ مَسَاجِدِ الضِّرَارِ.


(١) هذا تعريف المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي قاعدة شريفة منضبطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>