للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَلهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا قَصْدُ شَيْءٍ مِن الْمَسَاجِدِ وَالْمَزَارَاتِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا بَعْدَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلَّا مَسْجِدَ قُبَاء؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَقْصِدْ مَسْجِدًا بِعَيْنِهِ يَذْهَبُ إلَيْهِ إلَّا هُوَ.

وَكَذَلِكَ أَكْلُهُ مَا كَانَ يَجِذ مِن الطَّعَامِ وَلُبْسُهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَدِينَتِهِ طَيْبَةَ مَخْلُوقًا فِيهَا وَمَجْلُوبًا إلَيْهَا مِنَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسَّرَهُ اللهُ لَهُ، فَأَكْلُهُ التَّمْرُ، وَخُبْزُهُ الشَّعِيرُ، وَفَاكِهَتُهُ الرُّطَبُ وَالْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ وَالْقِثَّاءُ، وَلُبْسُ ثِيَابِ الْيَمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ كَانَ أَيْسَرَ فِي بَلَدِهِ مِن الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ، لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ، فَمَن كَانَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَقُوتُهُم الْبُرُّ وَالذُّرَةُ وَفَاكِهَتُهُم الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَثِيَابُهُم مِمَّا يُنْسَجُ بِغَيْرِ الْيَمَنِ الْقَزُّ: لَمْ يَكُن إذَا قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّفَ مِن الْقُوتِ وَالْفَاكِهَةِ وَاللِّبَاسِ مَا لَيْسَ فِي بَلَدِهِ -بَل يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِم- مُتَبِعًا لِلرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِن كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يَتَكَلَّفُهُ تَمْرًا أَو رُطَبًا أَو خُبْزًا شَعِيرًا.

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَابَعَةِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-من اعْتِبَارِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ، " فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (١).

فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرُهُم هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعَ هَذَا فَابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَمْ يَكُن يَقْصِدُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا فِي مَكانٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، لَمْ يَكُن يَقْصِدُ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعِ نُزُولهِ وَمُقَامِهِ، وَلَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَذْهَبُ إلَى الْغَارِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ لِلزِّيَارَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ. [١٧/ ٤٦٦ - ٤٧٥]

٩١٩ - وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَلَّا يَعْدِلَ عَنْهُ، وَلَا يَتَّبِعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنّ اللهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]. [٢٠/ ٢٢٣]


(١) البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>