للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنقص الإيمان، فإذا تاب العبد أحبه الله، وقد ترتفع درجته بالتوبة، قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير: إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة، وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر الله ويتوب إليه منها.

[١٠/ ٤٣ - ٤٥]

٩٦٠ - وأما الحزن (١) فلم يأمر الله به ولا رسوله؛ بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)} [آل عمران: ١٣٩]، وقوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)} [النحل: ١٢٧] وأمثال ذلك كثير؛ وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، نعم! لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَا رَبَّنَا" (٢)، ومنه قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)} [يوسف: ٨٤].

وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، فيكون محمودًا من تلك الجهة لا من جهة الحزن؛ كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عمومًا، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر، وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نُهي عنه، وإلا كان حَسْبُ صاحبِه رفعَ الإثم عنه من جهة الحزن، وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما


(١) قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها خطاياه". متفق عليه.
(٢) رواه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>