١٠٢٧ - الْحَاسِدُ الْمُبْغِضُ لِلنِّعْمَةِ عَلَى مَن أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِهَا: ظَالِمٌ مُعْتَدٍ.
وَالْكَارِهُ لِتَفْضِيلِهِ الْمُحِبُّ لِمُمَاثَلَتِهِ: مَنْهِيٌّ عَن ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللهِ، فَإِذَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطَى مِثْل مَا أُعْطِيَ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَى اللّهِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِعْرَاضُ قَلْبِهِ عَن هَذَا بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى حَالِ الْغَيْرِ: أَفْضَلُ.
ثُمَّ هَذَا الْحَسَدُ إنْ عَمِلَ بِمُوجِبِهِ صَاحِبُهُ كَانَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَكَانَ الْمَحْسُودُ مَظْلُومًا مَأمُورًا بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْحَاسِدِ وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ عَنْهُ. [١٠/ ١٢٠ - ١٢١]
١٠٢٨ - ابْتُلِيَ يُوسُفُ بِحَسَدِ إخْوَتِهِ لَهُ … ثُمَّ إنَّهُم ظَلَمُوهُ بِتَكَلُّمِهِمْ فِي قَتْلِهِ وَإِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ وَبَيْعِهِ رَقِيقًا لِمَن ذَهَبَ بِهِ إلَى بِلَادِ الْكُفْرِ. فَصَارَ مَمْلُوكًا لِقَوْمِ كُفَّارٍ.
ثُمَّ إنَّ يُوسُفَ اُبْتُلِيَ بَعْدَ أَنْ ظُلِمَ بِمَن يَدْعُوهُ إلَى الْفَاحِشَةِ ويُرَاوِدُ عَلَيْهَا وَيسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِمَن يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَعْصَمَ وَاخْتَارَ السَّجْنَ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَآثَرَ عَذَابَ الدُّنْيَا عَلَى سَخَطِ اللهِ، فَكَانَ مَظْلُومًا مِن جِهَةِ مَن أَحَبَّهُ لِهَوَاهُ وَغَرَضِهِ الْفَاسِدِ.
فَأولَئِكَ أَخْرَجُوهُ مِن إطْلَاقِ الْحُرِّيَّةِ إلَى رِقِّ الْعُبُودِيَّةِ الْبَاطِلَةِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَهَذِهِ أَلْجَأتْهُ إلَى أَنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا مَسْجُونًا بِاخْتِيَارِهِ.
فَكَانَت هَذِهِ أَعْظَمَ فِي مِحْنَتِهِ. وَكَانَ صَبْرُهُ هُنَا صَبْرًا اخْتِيَارِيًّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى. بِخِلَافِ صَبْرِهِ عَلَى ظُلْمِهِمْ. فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِن بَابِ الْمَصَائِبِ الَّتِي مَن لَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهَا صَبْرَ الْكِرَامِ سَلَا سُلُوَّ الْبَهَائِمِ.
وَالصَّبْرُ الثَّانِي أَفْضَلُ الصَّبْرَيْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)} [يوسف: ٩٠].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute