للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٥٠ - إنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُفْرَانِ مَعَ التَّوْحِيدِ هُوَ التَّوْبَةُ الْمَأمُورُ بِهَا؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ لَا يَغْفِرُهُ اللّهُ إلَّا بتَوْبَة؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] فِي مَوْضِعَيْنِ مِن الْقُرْآنِ، وَمَا دُونَ الشِّرْكِ فَهُوَ مَعَ التَّوْبَةِ مَغْفُورٌ؛ وَبِدُونِ التَّوْبَةِ مُعَلَّقٌ بِالْمَشِيئَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، فَهَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ وَلهَذَا عَمَّمَ وَأَطْلَقَ وَحَتَّمَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا.

وَمِن النَّاسِ مَن يَقُولُ: الْغَفْرُ: السَّتْرُ، وَيَقُولُ: إنَّمَا سُمِّيَ الْمَغْفِرَةَ وَالْغَفَّارَ لِمَا فِيهِ مِن مَعْنَى السَّتْرِ، وَتَفْسِيرُ اسْمِ اللهِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ السَّتَّارُ، وَهَذَا تَقْصِيرٌ فِي مَعْنَى الْغَفْرِ؛ فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ مَغنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، بِحَيْثُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ، فَمَن غُفِرَ ذَنْبُهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا مُجَرَّدُ سَتْرِهِ فَقَد يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، وَمَن عُوقِبَ عَلَى الذَّنْبِ بَاطِنًا أَو ظَاهِرًا فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ.

وَقَد يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ تَائِبٌ وَلَا يَكُونُ تَائِبًا بَل يَكُونُ تَارِكًا، وَالتَّارِكُ غَيْرُ التَّائِبِ، فَإِنَّهُ قَد يُعْرِضُ عَن الذَّنْبِ لِعَدَمِ خُطُورِهِ بِبَالِهِ، أَو الْمُقْتَضِي لِعَجْزِهِ عَنْهُ، أَو تَنْتَفِي إرَادَتُهُ لَهُ بِسَبَب غَيْرِ دِينِيٍّ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَوْبَة؛ بَل لَا بُدَّ مِن أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ سَيِّئَةٌ، وَيَكْرَهَ فِعْلَهُ لِنَهْيِ اللّهِ عَنْهُ وَيَدَعَهُ للّهِ تَعَالَى. [١٠/ ٣١٦]

١٠٥١ - قَوْلُ مَن قَالَ مِن الْعُلَمَاءِ: الِاسْتِغْفَارُ مَعَ الْإِصْرَارِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ، فَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَغْفِرُ يَقُولُهُ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ، أَو يَدَّعِي أَنَّ اسْتِغْفَارَهُ تَوْبَة؛ وَأَنَّه تَائِبٌ بِهَذَا الِاسْتِغْفَارِ، فَلَا ريبَ أَنَّهُ مَعَ الْإِصْرَارِ لَا يَكُونُ تَائِبًا، فَإِنَّ التَّوْبَةَ وَالْإِصْرَارَ ضِدَّانِ، الْإِصْرَارُ يُضَادّ التَّوْبَةَ، لَكِنْ لَا يُضَادُّ الِاسْتِغْفَارَ بِدُونِ التَّوْبَةِ. [١٠/ ٣١٩]

١٠٥٢ - التَّوْبَةَ تَصِحُّ مِن ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى ذَنْبٍ آخَرَ إذَا كَانَ الْمُقْتَضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>