للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عامًّا في كل ذنب من كل من أذنب وتاب وعاد، وإنما ذكره حكاية حال عن عبد كان منه ذلك، فأفاد أن العبد قد يعمل من الحسنات العظيمة ما يوجب غفران ما تأخر من ذنوبه، وإن غفر له بأسباب أخر.

وهذا مثل حديث حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - الذي قال فيه لعمر: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم ففد غفرت لكم" (١) وما جاء أن غلام حاطب شكاه فقال: والله يا رسول اللّه ليدخلن حاطب النار، فقال: "كذبت، إنه شهد بدرًا والحديبية" (٢).

ففي هذه الأحاديث بيان أن المؤمن قد يعمل من الحسنات ما يغفر له بها ما تأخر من ذنبه، وإن غفر بأسباب غيرها، ويدل على أنه يموت مؤمنًا، ويكون من أهل الجنة، وإذا وقع منه ذنب يتوب اللّه عليه كما تاب على بعض البدريين؛ كقدامة بن عبد اللّه - رضي الله عنه - لما شرب الخمر متأولًا، واستتَابَه عمرُ - رضي الله عنه - وأصحابه - رضي الله عنهم - وجلدوه، وطهر بالحد والتوبة، وإن كان ممن قيل لهم: "اعملوا ما شئتم".

ومغفرة اللّه لعبده لا تنافي أن تكون المغفرة بأسبابها، ولا تمنع أن تصدر منه توبة؛ إذ مغفرة الله لعبده مقتضاها ألا يعذبه بعد الموت، وهو سبحانه يعلم الأشياء على ما هي عليه، فإذا علم من العبد أنه سيتوب أو يعمل حسنات ماحية غفر له في نفس الأمر؛ إذ لا فرق بين من يحكم له بالمغفرة أو بدخوله الجنة.

ومعلوم أن بشارته - صلى الله عليه وسلم - بالجنة إنما هي لعلمة بما يموت عليه الْمُبَشَّر ولا يمنع أن يعمل سببها.


= فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، قَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ".
(١) رواه البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤).
(٢) رواه مسلم (٢٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>