للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القراءتين، والإشارة على هذه القراءة إلى ما جاء به من البيّنات أي: ما هذا الذي جاء به من الآيات الخوارق إلاّ سحر، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى عيسى جعلوه نفس السحر مبالغة نحو: «رجل عدل»، أو على حذف مضاف أي: إلاّ ذو سحر (١).

واختلف في ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ (٢) فالكسائي بتاء الخطاب لعيسى مع إدغام اللاّم في التّاء كما هو قاعدته و ﴿رَبُّكَ﴾ بالنّصب على التّعظيم أي: هل تستطيع سؤال ربك، وهم لا يشكون فالمعنى: هل يسهل عليك أن تسأل ربك؟، كقول الآخر:

هل تستطيع أن تقوم؟، وقرأ الباقون بياء الغيب «ربك» مرفوعا بالفاعلية، قال ابن الأنباري: "لا يجوز أن يتوهّم على الحواريين أنّهم شكوا في قدرة الله - تعالى -"، وبهذا يظهر أن قول الزّمخشري: إنّهم ليسوا مؤمنين (٣) ليس بجيد، وكأنّه خارق للإجماع، وهذه القراءة لا تدل له لأنّ النّاس أجابوا عن ذلك بأجوبة منها أنّ معناه:

هل يستطيع ربك؟، أي هل يجيبك إن سألته، واستطاع بمعنى: أطاع ك: «استجاب»، و «أجاب»، أو المراد هل يفعل كما تقول لصاحبك هل تستطيع أن تقوم؟، وأنت تعلم استطاعته لذلك، ومنها أنّهم سألوه سؤال مستجير هل ينزّل أم لا؟، فإن كان ينزّل فاسأله لنا (٤).


(١) الدر المصون ٤/ ٤٩٨.
(٢) المائدة: ١١٢، النشر ٢/ ٢٥٧، المبهج ٢/ ٥٦٤، مصطلح الإشارات: ٢٢٣، إيضاح الرموز: ٣٦٧، الدر المصون ٤/ ٥٠٠.
(٣) الكشاف ١/ ٧٢٤ ونصه: "فان قلت كيف قالوا ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ بعد إيمانهم وإخلاصهم؟، قلت: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم أتبعه " قوله: إذا قالوا "فآذن أن دعواهم كانت باطلة وأنهم كانوا شاكين وقوله ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى لهم معناه: اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة وقرئ (هل تستطيع ربك) أي هل تستطيع سؤال ربك؟، والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله؟ "، انظر أقسام الاستطاعة الشرعية والفعلية في مجموع الفتاوى ٨/ ٣٧٢.
(٤) الدر المصون ٤/ ٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>