للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف في ﴿وَلا نُكَذِّبَ﴾ … ﴿وَنَكُونَ﴾ (١) فحفص وحمزة وكذا يعقوب بنصب الباء والنّون منهما على إضمار «أن» بعد الواو التي بمعنى: «مع»، كقوله: "ليت لي مالا وانفق منه"، فالفعل منصوب بإضمار «أن»، و «أن» مصدرية منسبك منها ومن الفعل بعدها مصدر، والواو حرف عطف فيستدعي معطوفا عليه، وليس قبلها في الآية الكريمة إلاّ فعل فكيف يعطف اسم على فعل؟، فلا جرم أنّا نقدر مصدرا متوهما يعطف هذا المصدر المنسبك من «أن» وما بعدها عليه، والتقدير: يا ليتنا لنا ردّ مع هذين الشّيئين، فيكون عدم التّكذيب والكون من المؤمنين متمنّيين أيضا، فهذه الثّلاثة الأشياء أعني الردّ وعدم التّكذيب، والكون من المؤمنين متمنّاه بقيد الاجتماع، لا أنّ كلّ واحد متمنّى وحده؛ لأنّ هذه الواو شرط إضمار «أن» بعدها أن تصلح «مع» في مكانها، ووافقهم الأعمش، وقرأ ابن عامر برفع الأوّل ونصب الثّاني.

وعن الشّنبوذي «ولا نكذب» بالنّصب «وتكون» بالرفع، وقرأ الباقون بالرّفع فيهما على العطف على الفعل قبلهما وهو و ﴿نُرَدُّ﴾ ويكونون قد تمنوا ثلاثة أشياء:

الردّ إلى الدنيا، وعدم تكذيبهم بآيات ربهم، وكونهم من المؤمنين، أو على أنّ الواو واو الحال، والمضارع خبر مبتدأ مضمر، والجملة الاسمية في محل نصب على الحال من مرفوع ﴿نُرَدُّ﴾ والتقدير: يا ليتنا نرد غير مكذّبين وكائنين من المؤمنين، فيكون تمنّي الردّ مقيدا بهاتين الحالتين فيكون الفعلان أيضا داخلين في التّمني، وقد استشكل هذين الوجهين بأنّ التّمني والإنشاء لا يدخله الصّدق ولا الكذب وإنّما يدخلان في الإخبار، وهذا قد دخله الكذب لقوله - تعالى - ﴿وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾؟، وأجيب (٢): بأنّ هذا تمن تضمّن معنى العدة فجاز أن يدخله التّكذيب كما يقول الرجل: "ليت الله يرزقني مالا فأحسن إليك، وأكافئك على صنيعك"، فهذا متمنى في معنى الواعد، فلو


(١) الأنعام: ٢٧، النشر ٢/ ٢٥٨، المبهج ٢/ ٥٦٩، مصطلح الإشارات: ٢٢٧، إيضاح الرموز: ٣٧١، الدر المصون ٦/ ١٧٧.
(٢) الإجابة من الكشاف ٢/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>