للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسل تستدعي مرسلا إليهم، والضميران في ﴿أَنَّهُمْ﴾ و ﴿كُذِبُوا﴾ عائدان على ﴿الرُّسُلُ،﴾ أي: وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا، أي: كذبهم من أرسلوا إليهم بالوحي وبنصرهم عليهم، ومنها أنّ الضمائر الثّلاثة عائدة على ﴿الرُّسُلُ﴾ (١)، قال الزّمخشري (٢): - في تقرير هذا الوجه - "حتى إذا استيأسوا من النصرة وظنوا أنّهم قد كذبوا، أي: كذّبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنّهم لا ينصرون أو رجاؤهم لقولهم رجاء صادق ورجاء كاذب، والمعنى أنّ مدّة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار الفرج من الله وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت حتى استشعروا القنوط، وتوهّموا أن لا نصر لهم في الدنيا فجاءهم نصرنا" انتهى، فقد جعل الفاعل المقدر إمّا أنفسهم، وإمّا رجاؤهم، وجعل الظن بمعنى التّوهم فأخرجه عن معناه الأصلي، وهو ترجيح أحد الطرفين، وعن مجازه وهو استعماله في المتيقّن، ومنها أنّ الضمائر كلّها أيضا راجعة إلى الرسل، والظن على بابه من الترجيح، وإلى هذا نحا ابن عباس وابن مسعود وابن جبير قالوا: والرسل بشر فضعفوا أو ساء ظنهم، وهذا لا ينبغي أن يصح عن هؤلاء فإنّها عبارة غليظة/على الأنبياء، وحاشا الأنبياء، ولذلك ردّت عائشة وجماعة كثيرة هذا التأويل، وأعظموا أن ينسب الأنبياء إلى شيء من ذلك، قال الزّمخشري (٣): "إن صحّ هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظنّ ما يخطر بالبال أو يهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأمّا الظن الذي هو ترجيح أحد الجائزين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل الله الذين هم أعرف بربهم"، قال في (الدر): "ولا يجوز أيضا أن يقال: خطر ببالهم شبه الوسوسة، فإنّ الوسوسة من الشيطان وهم معصومون من ذلك، وقال الفارسي:" إن ذهب ذاهب إلى أنّ المعنى: ظن الرسل الذين وعد الله أممهم على لسانهم النصر قد كذبوا فيه فقد


(١) في جميع المخطوطات ما عدا (الأصل وط): المرسل إليهم.
(٢) الكشاف ٢/ ٢٤٧.
(٣) الكشاف ٢/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>