للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطية:" عطفا على الموضع؛ لأنّ التقدير: إن أخرتني أصدق وأكن، هذا مذهب أبي علي الفارسي (١)، وحكي سيبويه عن الخليل (٢) أنّه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولا موضع هنا لأنّ الشرط ليس بظاهر، وإنّما يعطف على الموضع حيث يظهر الشرط كقوله - تعالى - ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ﴾ فمن جزم عطف على موضع ﴿فَلا هادِيَ لَهُ﴾ (٣) لأنّه لو وقع هناك فعل لا يجزم "انتهى، قال السمين:" وهذا هو المشهور عند النّحويين، ونظّر سيبويه ذلك بقول زهير (٤):

بدالي أني لست مدرك ما مضى … ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فخفض: «ولا سابق» عطفا على «مدرك» الذي هو خبر «ليس» على توهم زيادة الباء فيه؛ لأنّه قد كثر جرّ خبرها بالباء الموحدة المزيدة، وهو عكس الآية الكريمة؛ لأنّه في الآية جزم على توهم سقوط الفاء، وهنا خفض على توهم وجود الباء، ولكن الجامع توهم ما يقتضي جواز ذلك "انتهى، وفرق أبو حيّان في (البحر) بين العطف على الموضع والعطف على لتوهم شيء فقال:" والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التّوهم أنّ العامل في العطف على الموضع موجود دون أثره، والعامل في العطف على التّوهم مفقود وأثره موجود "انتهى، قال السمين (٥):" فمثال الأوّل:

«هذا ضارب زيد وعمرا» فهذا من العطف على الموضع فالعامل وهو: «ضارب» موجود، وأثره وهو النّصب مفقود، ومثال الثّاني: ما نحن فيه فإنّ العامل للجزم مفقود


(١) الحجة ٦/ ٢٩٣.
(٢) الكتاب ٣/ ١٠٠.
(٣) الأعراف: ١٨٦.
(٤) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه: ٢٨٧، ومعنى البيت: أن المرء لا يملك لنفسه، ضرا ولا نفعا، والشاهد فيه قوله: «ولا سابق»، حيث جر لفظ «سابق» مع أنه معطوف على قوله: «مدرك» المنصوب خبرا لليس، وجاز ذلك؛ لأن الباء تدخل في خبر ليس كثيرا، فجر المعطوف على توهم ذلك، انظر: الخزانة ٨/ ٤٩٢، الكتاب ١/ ١٦٥، المعجم المفصل ٨٣١٢، شرح الشواهد الشعرية ٣/ ٣٣٥.
(٥) الدر المصون ١٠/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>