للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت: ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً﴾ (١) قال: فرأيته فإذا عيناه تذرفان، فقال لي: حسبك " (٢)، فأمره بالوقف على ﴿شَهِيداً﴾، وهو متعلّق بما بعده، لأنّه بيان لحالهم حينئذ، أي: يود الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الأمر، أو الكفرة والعصاة في ذلك الوقت، أن يدفنوا وتسوى بهم الأرض، كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا، وكانوا هم والأرض سواء، فما بعده متعلق بما قبله.

وأمّا الحسن: فيحسن الوقف عليه، لا الابتداء بلاحقه، لتعلّقه به، كالوقف على ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾، لأنّ تاليه غير مستغن عنه، إلاّ أن يكون رأس آية، وأمن اللبس، ك ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ فقد قيل بسنّيّته، لحديث أم سلمة المروي عند أبي داود وغيره: أن النّبي كان إذا قرأ قطّع قراءته آية آية، يقول: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ يقف، ثمّ يقول ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ثمّ يقف، ثمّ يقول:

﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ الحديث.

وروى البويطي فيما نقله صاحب كتاب (المدد) (٣) عنها: أنّه كان يقرأ في الصّلاة:

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ آية، ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ آيتين، ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثلاث آيات، ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أربعة/، وعدّ في (المصباح) إلى: ﴿الضّالِّينَ﴾.

وإلي السّنّيّة في ذلك ذهب الدّاني وغيره، واختاره البيهقي في (الشّعب) (٤)، لأنّ الاهتداء بهديه أحرى، والاقتداء بسنّته أفضل وأولى، لكن تعقب الجعبري في كتابه (الاهتداء) الاستدلال بهذا الحديث على سنّيّة وقف الفواصل، بأنّه لا دلالة فيه على ذلك، لأنّه إنّما قصد به إعلام الفواصل، قال:" وجهل قوم هذا المعنى فسمّوه


(١) النساء: ٤١.
(٢) البخاري ٤/ ١٩٢٥ (٤٧٦٣) باب قول المقرئ للقارئ حسبك.
(٣) حسن المدد: ٤٤.
(٤) شعب الإيمان ٢/ ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>