للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عَن الْإِمَامِ أَحْمَد وَرِوَايَتَانِ عَن مَالِكٍ:

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَؤُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ.

وَالثانِيَةُ: لَا يَجُوز ذَلِكَ وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأن هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِن ثَبَتَتْ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بالعرضة الآخِرَةِ.

وَهَذَا النّزَاعُ لَابُدَّ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي سَألَ عَنْهُ السَّائِلُ، وَهُوَ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ هَل هِيَ حَرْف مِن الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ أَمْ لَا؟

فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِن السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَهَا حَرْفٌ مِن الْحُرُوفِ السبْعَةِ؛ بَل يَقُولُونَ: إنَّ مُصْحَفَ عُثْمَانَ هُوَ أحَد الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَهُوَ متَضَمِّن للعرضة الْآخِرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جِبْرِيلَ، وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.

وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِن الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ إلَى أَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ مُشْتَمِل عَلَى الْأَحْرُفِ السبْعَةِ، وَقَرَّرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي وَغَيْرِهِ (١)؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيءٍ مِن الأحْرُفِ السَّبْعَةِ (٢).

ثُمَّ مَن جَوَّزَ الْقِرَاءَةَ بِمَا يَخْرُجُ عَن الْمُصْحَفِ مِمَّا ثَبَتَ عَن الصَّحَابَةِ قَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِن الْحُرُوفِ السبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا.

وَلهَذَا كَانَ فِي الْمَسْألَةِ قَوْل ثَالِث وَهُوَ اخْتِيَارُ جَدّي أَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ إنْ


(١) كابن حزم -رَحِمَه اللهُ-.
(٢) كتبت في هذا الموضوع كتابًا سميتُه: تحقيقُ الْمَسَائِلِ الْمُهِمةِ فِي الْقِراءَاتِ والْأحْرُفِ السبْعةِ، وذكرت أن الراجح أنَّها باقية، وأنّ كيفية النطق بكلمات القرآن ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليست من اجتهاد القُرّاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>